logo
العالم العربي
خاص

من المساجد إلى صناديق الاقتراع.. تغلغل "الإخوان" يرفع مستوى الإنذار في أوروبا

خريطة انتشار "الإخوان" في أوروباالمصدر: إرم نيوز

كشفت تقارير أمنية واستخبارية أوروبية حديثة عن تصاعد القلق من اتساع نفوذ جماعة "الإخوان" داخل المؤسسات الرسمية والدينية في القارة؛ ما دفع دولًا عدة إلى رفع مستوى الرقابة وتشديد إجراءات المتابعة والبدء في سن قوانين لحظر الجماعة وتصنيفها منظمة إرهابية. 

هذا التحرك يأتي بعد رصد نشاط متنامٍ للجماعة يُنظر إليه باعتباره تهديدًا مباشرًا للأمن والاندماج المجتمعي في أوروبا.

أخبار ذات علاقة

خلال المظاهرة في برلين

من برلين إلى جنيف.. مظاهرات تطالب بتجفيف تمويل "الإخوان"

اختراق ناعم

بَنت جماعة "الإخوان" شبكة واسعة من المؤسسات الاجتماعية والخيرية والتعليمية والثقافية التي باتت تمثل غطاء لخطر متجذر في القارة، واستغلت البيئة القانونية المواتية في أوروبا، التي أتاحت لها التمدد والانتشار.

غير أن التحليلات الأمنية الأوربية الأخيرة تشير إلى أن الكثير من تلك المؤسسات والجمعيات تعمل للترويج للتطرف، وبناء شبكات تأثير وسط المجتمعات المسلمة، وتأجيج النزاعات العرقية والدينية، والحض على العنف وتقويض قيم القارة في التعايش والتعدد.

هذا "الاختراق الإخواني الناعم"، وفقًا لوصف خبراء، دفع حكومات القارة إلى "رفع مستوى الإنذار"، وتشديد الرقابة على أنشطة الجماعة، كما نُظمت احتجاجات في عدد من العواصم الأوروبية، في الآونة الأخيرة، تطالب بتصنيف الجماعة "منظمة إرهابية" مع ما يستتبع ذلك من تقييد لنفوذها ودورها.

دلالة التوقيت

يعزو الخبراء تصاعد هذا الصوت الاحتجاجي إلى أن المجتمعات الأوربية وفي ضوء التقارير الاستخبارية بدأت تدرك أن الشبكات "الإخوانية" في أوروبا ليست مجرد جمعيات خيرية دينية، بل تعمل كهيئات سياسية تعمل على الانقسام ونشر "الفكر الهدام".

كما أن هذه الاحتجاجات تهدف، بحسب الخبراء، إلى تعزيز الموقف الرسمي للحكومات وسعيها لحظر الجماعة؛ ما يعني أن الاحتجاجات تعد بمثابة ضغط على تلك الحكومات لتضييق أنشطة الجماعة التي باتت تهدد استقرار القارة.

ويرى المحتجون أن الجماعة لم تعد مجرد حركة دينية أو جمعيات خيرية محضة، بل تتخفى خلف تلك الواجهات وتستغل التعددية الأوروبية لتكريس سطوتها.

ورغم أن أوروبا مارست سياسة "غض الطرف" أو التساهل مع "الإخوان" خلال المراحل السابقة، غير أن الجماعة بلغت من الحضور والتأثير حدًّا لم يعد من المقبول التغاضي عنه، كما ورد في التقرير الحكومي الفرنسي الذي قُدِّم في مايو/ أيار 2025.

وتتمثل المخاطر في النفوذ الأيديولوجي للجماعة، إذ تستخدم المساجد والمؤسسات التعليمية والجمعيات الخيرية لترسيخ مفهوم الإسلام السياسي، بحسب تفسيرها ورؤيتها الخاصة، مستغلة شعارات حقوق المسلمين ومكافحة "الإسلاموفوبيا"، علمًا بأن "السلوك الإخواني" هو الذي خلق نوعًا من "التوجس" لدى الأوروبيين بخصوص الإسلام.

وثمة خشية من التغلغل المؤسسي والسياسي، إذ تسعى الجماعة للوصول إلى مراكز القرار عبر شبكاتها في الجمعيات والمنظمات، وتشجيع الموالين لها من "المجنّسين" في هذه الدولة أو تلك على التصويت لحزب معين؛ ما يمنحها القدرة على التأثير في سياسات تلك الدول.

ومن المعروف أن "الإخوان" لا يكتفون بالنشاط الدعوي، بل لديهم طموحات سياسية ستؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض القيم الأوروبية القائمة، أساسًا، على مبدأ "فصل الدين عن الدولة".

ويرى خبراء أن وصول "الإخوان" إلى "صناديق الاقتراع"، سيخلق شرخًا بين الأحزاب التقليدية وناخبيها، ذلك أن "الأحزاب اليمينية" المتطرفة بدأت تستغل المخاوف المتعلقة بتهديدات "الإخوان" وغيرها من الحركات المتشددة لتعزيز موقفها السياسي، وقد حققت صعودًا في بعض الدول الأوربية.

أخبار ذات علاقة

الدمار في قطاع غزة

فضيحة بنصف مليار دولار.."الإخوان" يتاجرون بغزة

التمويل

يعتبر "التمويل" أحد أكثر الأمور التباسًا لدى الجماعة، إذ تتلقى المؤسسات المرتبطة بـ"الإخوان" تمويلات خارجية وداخلية صعبة التتبع، وهو ما يثير الشكوك حول دور الجماعة في عمليات "غسل الأموال"، بحسب خبراء.

وتعتمد الجماعة في أوروبا على شبكات ومنظومة مالية معقدة تشمل جمعيات خيرية وشركات استثمارية وصناديق تمويل تُستخدم لإدارة موارد ضخمة يصعب تتبعها في كثير من الأحيان.

وتكشف تقارير أمنية أن جزءًا من هذه الأموال يأتي من التبرعات، سواء من داخل أوروبا أو خارجها، إضافة إلى عوائد استثمارات في مجالات تجارية متعددة، على رأسها تجارة المنتجات الحلال.

والمنتجات الحلال هي كل ما يتم إنتاجه أو ذبحه أو تصنيعه وفق الشريعة الإسلامية، بحسب المنتجين، غير أن ذلك تحوّل إلى تجارة مربحة نظرًا إلى تزايد أعداد المسلمين في القارة والتي تصل إلى نحو 30 مليونًا، ما يدرّ دخولات تقدر بمليارات الدولارات.

وأولت بعض الدول الأوروبية اهتمامًا بالظاهرة، إذ تتهم منظمات محسوبة على جماعة "الإخوان" بجني الملايين من ختم شهادات "الحلال"، واستخدام هذه العائدات لتمويل النفوذ الديني والسياسي، وبالتالي التأثير في السياسات المحلية.

ويرى خبراء أن الجماعة لم تعد بمنأى عن التدقيق، فقد تبنت الحكومات الأوروبية خططًا جديدة لتعزيز الرقابة على التمويل الأجنبي للجمعيات الدينية، وتشديد الإجراءات القانونية المتعلقة بمكافحة التطرف، ومتابعة الأنشطة الرقمية، غير أن الجماعة بدورها تغير "تكتيكاتها" المالية، بحيث تستطيع التملص من أيّ مساءلة.

وفي الحديث عن مخاطر "الإخوان" في القارة، لا يمكن إغفال البعد الأمني، إذ تحذر أجهزة الاستخبارات الأوروبية من أن نشاط الجماعة يوفر أرضية لاستقطاب متطرفين ينظرون إلى أوروبا كـ"دار كفر"؛ ما يبيح لهم القيام بعمليات "إرهاب وعنف" تهدد أمن القارة.

أخبار ذات علاقة

علم فرنسا وشعار الإخوان

وثيقة دولية وضوابط صارمة.. أوروبا تتحرك لتجفيف منابع تمويل "الإخوان المسلمين"

صحوة متأخرة

ورغم الصحوة الأوروبية المتأخرة في مكافحة دور "الإخوان"، فإن خبراء يرون أن الإجراءات الأوروبية الحالية ليست كافية للجم الجماعة، إذ يستلزم تقويض نشاط "الإخوان" تجفيف منابع التمويل، ورفع مستوى التنسيق الأمني والاستخباري بين دول التكتل الأوروبي، وتعزيز الرقابة على الجمعيات الدينية ذات النشاط السياسي.

ويطالب خبراء بأن هذه الجهود الأمنية، ينبغي أن تترافق مع خوض معركة فكرية لمنع استقطاب المزيد من "المناصرين"، عبر التوضيح أن هذه الملاحقة الصارمة لـ"الإخوان" لا تستهدف، بأي حال، الإسلام كدين، بل تستهدف الجماعات التي تتخذ من الدين ستارًا لأغراض وأهداف سياسية أبعد.

ورغم خصوصية التعاطي مع "الإخوان" في كل دولة من دول التكتل الأوروبي، فإن العنوان الأبرز الذي يجمع بينها، الآن، هو أن القارة انتقلت من مرحلة مراقبة النشاط إلى مرحلة التشكيك في أهداف الجماعة، وتأثيره طويل المدى في الأمن القومي والاندماج الاجتماعي داخل القارة بعد أن أصبحت أنشطتها المالية والدعوية والسياسية مصدر قلق متنام.

ويرجح خبراء أن المواجهة الأوروبية مع الجماعة قد تفضي، في نهاية المطاف، إلى خطوات أكثر جذرية، من قبيل تصنيف الجماعة منظمة إرهابية، وهو ما سيعني حظر أنشطتها التي تتلخّص في "المتاجرة بالدين" من أجل بلوغ أهداف لا تمت إلى الدين الإسلامي المعتدل بأي صلة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC