لم يكن حظر ألمانيا لجماعة “Muslim Interaktiv مسلم أنتر أكتيف"، مجرد لحظة عابرة في سياسة برلين تجاه "الإسلام السياسي"، بل هو تحول عميق من المرجح أن تتبعه خطوات أشمل.
الحظر الألماني الذي صدر مطلع الشهر الجاري، اعتبر "إجراء لافتا"، طال "مسلم أنتر أكتيف"، وهي مجموعة شبابية نشأت أساساً من خلال منصات التواصل الاجتماعي، ونجحت في بناء حضور واسع بين آلاف المتابعين من الشباب المسلمين.
وعلى الرغم من أن الجماعة لا تملك بنية تنظيمية كلاسيكية أو شبكة مساجد ومؤسسات كما هو الحال مع التنظيمات الإسلامية الأكثر انتشارا، كالإخوان مثلا، فإنها استطاعت خلال فترة وجيزة إيجاد "بيئة رقمية افتراضية" تبث خطابا دينيا سياسيا لاقت صدى لدى بعض الشرائح.
وتشير مصادر خاصة إلى أن التحرك الألماني الحاسم حيال مجموعة صغيرة، تمهد، على الأرجح، لتحرك أوسع سيطال "الإسلام السياسي التقليدي"، وفي مقدمته، جماعة الإخوان التي استثمرت مناخ الحرية في الغرب، وتغلغلت في مفاصل المجتمع بغطاء تعليمي ودعوي وإنساني، لتبلغ مرحلة لا يمكن معها التغاضي عن أنشطتها.
ولعل هذا ما يفسر القلق الذي أصاب أوساط جماعة الإخوان، وفقا لمصادر خاصة أوضحت أن قرار الحظر الألماني لا يقتصر على المجموعة المعنية فحسب، بل يمثل، قبل ذلك، سابقة سياسية وقانونية وأمنية تُظهر أن برلين لم تعد تملك ترف التسامح مع أي "تنظيم" يهدد أمن البلاد.
اختبار صعب الاجتياز
وفي ضوء هذا الحزم الألماني، تكشف مصادر خاصة لـ"إرم نيوز" أن بعض الجمعيات والمؤسسات المرتبطة بالإخوان في ألمانيا بدأت تتحسس الخطر الداهم، إذ تعيد تقييم أنشطتها وبرامجها، ومراجعة شبكاتها المالية "المشكوك في آلياتها"، وشرعت في إيلاء الاهتمام للقوانين المحلية، لا من باب القناعة بل كإجراء مؤقت لتجنب الحظر.
وترى المصادر أن الإخوان يخضعون، حاليا، لما يمكن تسميته بـ"الاختبار الألماني"، في المراقبة والتدقيق، أملا في الحصول على "شهادة حسن السلوك"، التي تتيح لها تكريس خطابها الذي يحرض على الانقسام والكراهية ورفض الآخر.
وتعرب المصادر الخاصة عن اعتقادها بأن من الصعب على جماعة الإخوان اجتياز الاختبار الألماني بسهولة، فقد دأبت، طوال عقود، على تكتيكات مضللة، وسياسات ملتوية، ولا تستطيع أن تغير جلدها، بين ليلة وضحاها، خصوصا أن الاستخبارات الألمانية، التي تعمل بحرفية ومهنية عالية، لن تعجز عن التمييز بين الإسلام كدين وعقيدة لها احترام في البلاد، وبين الحركات التي تستغل الدين، كوسيلة لتحقيق مآربها وطموحاتها السياسية، وفق قولها.
وما يعزز مثل هذا التوجه الألماني نحو تقييد نفوذ ودور الجماعة، هو الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام، ويقضي بالعمل على تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان كمنظمات إرهابية أجنبية.
كما أن الاستنفار الألماني في احتواء نشاط الإخوان يتزامن مع استنفار مماثل في أوروبا وخصوصا في كل من فرنسا وبريطانيا، فقد توصلت هذه الدول إلى قناعة بأن جماعة الإخوان، شيدت عبر العقود "إمبراطوريات" مالية، ومؤسسات دينية وتعليمية وتثقيفية باتت تشكل خطرا يهدد استقرار مجتمعاتها.
وترى حكومات أوروبية أن جماعة الإخوان، ورغم المظهر الهادئ لأنشطتها، تؤسس، في نهاية المطاف، لعقلية التطرف والعنف، خصوصا أن الجماعة التي تنعم بقيم الغرب المتسامحة، ترى في هذا الغرب "دار كفر"، وهو ما يصفه الخبراء بـ"النفاق".
وتوضح المصادر الخاصة أن الحكومات الأوروبية، وبينها ألمانيا، لم تعد تنتظر إثباتات على تورط تنظيمي مباشر في أعمال عنف، رغم وجود أمثلة على مثل هذه التجاوزات، بل صارت تتعامل مع الخطاب "الإخواني" نفسه بوصفه كافيا لاتخاذ إجراءات قانونية حازمة، طالما أنها تتعارض مع مقتضيات الدستور، فهم "خصوم للديمقراطية يعملون بأساليب ناعمة"، بحسب وصف الاستخبارات الألمانية.
وتقول المصادر الخاصة إن ألمانيا باتت تمتلك اليوم سابقة مهمة، فحظر جماعة لأسباب تتصل بخطابها فحسب، وليس بتورطها في أعمال عنف مباشر، يتيح للحكومة ذريعة قانونية يمكن تكرارها لاحقا مع جماعات أكبر وأكثر تنظيما، كالإخوان.
المناخ السياسي
وتشير المصادر الخاصة إلى نقطة هامة في هذا السياق، وهي أن المناخ السياسي السائد حاليا في ألمانيا لم يعد ملائما للإسلام السياسي، في ظل صعود غير مسبوق لليمين المتطرف الذي يركز خطابه على معاداة الإسلام السياسي.
وتضيف المصادر أن هذا المزاج السياسي السائد يدفع الأحزاب التقليدية، المكونة للتحالف الحاكم في برلين، إلى ضبط سياساتها بعناية ومحاولة تطويعها بحيث تمنع استفادة اليمين المتشدد من أي شعور عام بالقلق أو الاستياء، وفي الوقت نفسه تقطع الطريق أمام الجماعات الإسلامية السياسية داخل البلاد.
ومع أن الطريق نحو حظر وشيك للإخوان قد يصطدم بـ"البيروقراطية" والقوانين والدستور وتوجهات الكتل البرلمانية، غير أن الاتجاه العام للسياسة الألمانية يسير نحو "الحظر"، وتضييق المجال المتاح للإخوان وإنهاء "الحالة الضبابية" التي تتحرك ضمنها عبر الخلط الممنهج بين الأنشطة الدعوية الروحية والطموحات السياسية.
ويقدر عدد المسلمين في ألمانيا بنحو 6 ملايين من أصل 84 مليونا، عدد سكان البلاد، وهو رقم كبير وعرضة على الدوام للوقوع تحت تأثير التنظيم، العابر للحدود، والذي يمثل مزيجا من النفوذ الاجتماعي، والديني، والمالي، والسياسي يشكل تحديا مستمرا للسلطات الألمانية، التي تظهر، في الوقت نفسه، تصميما على فرملة "تهديدات" الإسلام السياسي، ولا سيما الإخوان.