تشير التطورات الميدانية الأخيرة في شرق أوكرانيا إلى تصعيد لافت من الجانب الروسي، خاصة بعد الإعلان عن السيطرة على نحو 75 قرية في مقاطعة خاركيف.
هذا التحرك لا يبدو عسكريًّا بحتًا، بل يحمل في طياته رسائل سياسية وميدانية أعمق، وسط تعثر المسارات التفاوضية وتزايد التوتر بين موسكو وكييف، وفقا للمراقبين.
ويرى خبراء في الشؤون الروسية أن التقدم الروسي الأخير في خاركيف وسومي يعكس تحولًا استراتيجيًّا في مسار الحرب، يهدف إلى توسيع الضغط العسكري والسياسي على كييف، وفرض وقائع جديدة على الأرض قبل أي مفاوضات مقبلة.
واعتبروا في تصريحات، لـ"إرم نيوز"، أن موسكو تسعى من خلال هذا التمدد إلى إيصال رسالة مفادها أنها مستعدة للتصعيد، وصولًا إلى السيطرة على كامل الشرق الأوكراني إذا لم يتم التجاوب مع شروطها، وعلى رأسها الاعتراف بسيادتها على المقاطعات الأربع التي أعلنت ضمها عام 2022.
وقال د. محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن الحديث عن سيطرة القوات الروسية مؤخرًا على نحو 75 قرية في محيط العاصمة كييف يحمل دلالة سياسية وعسكرية واضحة، ويجب ربطه بما جرى في آخر جولة من المباحثات بين موسكو وكييف في إسطنبول.
وتابع الأفندي: «خلال هذه الجولة وجه ألكسندر زورين، أحد أعضاء الوفد الروسي المفاوض، رسالة مباشرة إلى الأوكرانيين مفادها، اليوم نتحدث عن أربع مناطق، ولكن إذا استمرت الحرب فسيكون الحديث عن ست أو ثماني مناطق».
وأكد الأفندي، في تصريحات لـ«إرم نيوز»، أن التقدم الروسي في مناطق جديدة خارج العاصمة والسيطرة على عدد كبير من القرى يهدف إلى الضغط على أوكرانيا للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وأشار المحلل السياسي إلى أن موسكو بعثت برسالة مفادها أنها قد تسيطر كليًّا على الشرق الأوكراني، من خاركيف حتى أوديسا، إذا استمر التعنت الأوكراني ورفض التسوية السلمية.
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية أن روسيا قد تكون بصدد إعداد سيناريو تفاوضي مستقبلي يتضمن مقايضة المناطق التي سيطرت عليها مؤخرًا، مثل خاركيف وسومي، بانسحاب أوكرانيا من المقاطعات الأربع التي أعلنت روسيا ضمها عام 2022، وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيا وخيرسون، بموجب تعديل دستوري روسي.
في السياق، قال رامي القليوبي، الأستاذ في كلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، إن العمليات العسكرية الروسية في مقاطعتي خاركيف وسومي والمناطق الحدودية المجاورة تندرج ضمن استراتيجية تهدف إلى إقامة «منطقة عازلة» على الحدود، الهدف منها إبعاد أنظمة التسليح الغربية التي تنشرها أوكرانيا، وخاصة تلك القادرة على استهداف العمق الروسي.
وأشار القليوبي، في تصريحات لـ«إرم نيوز»، إلى أن ما يجري لا يعد نقلًا للمعركة إلى الداخل الأوكراني؛ لأن العمليات في العمق قائمة منذ الأيام الأولى للحرب، لكن الهدف الآن تكتيكي بالدرجة الأولى، ويكمن في الحد من التهديدات المتزايدة للأسلحة الغربية بعيدة المدى وتوسيع هامش الأمان على الجبهة الحدودية.
وأضاف القليوبي أن الأولوية القصوى لموسكو حاليًّا هي تعزيز سيطرتها في المناطق التي ضمتها رسميًّا عام 2022، وفي مقدمتها مقاطعة دونيتسك التي تشهد معارك مستمرة على عدة محاور.
وأوضح أن هذا التقدم يُنظر إليه داخل روسيا على أنه جزء من مسار «تثبيت السيادة» وفرض واقع ميداني جديد قبل أي مفاوضات محتملة.
وتابع القليوبي أن المقاطعات مثل دنيبروبتروفسك وسومي وخاركيف لا تمثل بالضرورة أهدافًا طويلة الأمد للضم، بل تدخل ضمن خطة مرحلية ترمي إلى إنشاء نطاق أمني واقٍ.
وأكد أن روسيا تدرك أن الدعم الغربي لكييف لن يتوقف قريبًا، لذلك تسعى لتقليل أثره عسكريًّا من خلال دفع خط التماس إلى العمق دون الانزلاق في معارك استنزاف واسعة قد تضر بالجبهة الروسية في دونباس.
وتابع: "موسكو تراهن على عامل الوقت وتآكل الدعم السياسي الغربي لأوكرانيا"، مشيرًا إلى أن "الحسم لن يكون عسكريًّا فقط، بل أيضًا من خلال تغييرات محتملة في المزاج الأوروبي تجاه استمرار الحرب وتكلفتها الاقتصادية".