logo
العالم

صعود متطابق وأيديولوجيا متناقضة.. ما الذي يجمع بارديلا وممداني؟

جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني ومارين لوبانالمصدر: رويترز

بينما يشهد الغرب تحولات سياسية متسارعة، يبرز اسمان في مشهدين مختلفين تمامًا: جوردان بارديلا في فرنسا، وزهران ممداني في نيويورك.

يمثل بارديلا اليمين القومي المتشدد في أوروبا، والثاني أحد أبرز وجوه اليسار التقدمي في الولايات المتحدة.

ورغم التناقض الجذري بين أفكارهما، فإن مسار الصعود نحو السلطة يكشف نقاط تشابه لافتة؛ من استثمار منصات التواصل، إلى مخاطبة الأجيال الشابة، وصولًا إلى ركوب موجة الغضب الشعبي تجاه النخب الحاكمة، هذا التشابه يدفع إلى سؤال محوري: كيف اجتمع نقيضان سياسيان على استراتيجية واحدة للنفاذ إلى الحكم؟

أخبار ذات علاقة

ترامب وممداني في البيت الأبيض

"هل أصبح زهران جمهورياً؟".. سرّ اللقاء الدافئ بين ترامب وممداني

كتاب "ما يريده الفرنسيون"

قبل أيام في قصر مطلّ على الإليزيه في باريس، صعد بارديلا على خشبة مسرح "ماريني" لإطلاق كتابه الجديد، في حدث اعتُبر محطة فارقة في صعوده السياسي السريع من "شبل لوبان" إلى مرشح جدي للانتخابات الرئاسية الفرنسية.

القاعة التي تتسع لألف مقعد كانت شبه ممتلئة، وكانت مارين لوبان جالسة في الصف الأول تراقب شابها الذي أصبح اليوم أحد أبرز وجوه اليمين الأوروبي.

قدم بارديلا كتابه بعنوان "ما يريده الفرنسيون"، موضحًا أنه نتاج مقابلات مع عشرين فرنسيًا من العمال والحرفيين وأصحاب المشاريع الصغيرة، الذين يستيقظون مبكرًا ولا يحسبون ساعات عملهم. 

أما الاهتمام الإعلامي والجماهيري فلم يكن بسبب الكتاب وحده، بل بسبب موقعه في استطلاعات الرأي، إذ أظهرت بيانات لمعهد "إيلاب" أنه يتصدر نوايا التصويت للجولة الأولى من انتخابات 2027 بنسبة تتراوح بين 35 و37.5%، متفوقًا بأكثر من الضعف على أقرب منافسيه، إدوار فيليب، رئيس الوزراء السابق.

مارين لوبان، التي كانت المرشحة الطبيعية لحزب التجمع الوطني، تم إقصاؤها من الترشح بسبب إدانة قضائية في قضية مساعدي البرلمان الأوروبي، وما زالت تُعدّ بارديلا خليفة محتملًا لها، مع مراعاة احتمالات الاستئناف القضائي.

 حتى لو سُمح لها بالترشح، تشير استطلاعات الرأي إلى أن بارديلا يتقدم عليها بنسبة ضئيلة.

أخبار ذات علاقة

جوردان بارديلا

بارديلا في قفص الاتهام.. هل يصل مبتدئ السياسة إلى الإليزيه؟

جولة انتخابية مصغرة

جولة الكتاب تحولت إلى حملة انتخابية مصغرة، إذ توجه بارديلا بعد باريس إلى بلدة " برواي لا بويسير" في شمال فرنسا، حيث اصطف أكثر من ألفي شخص تحت المطر للحصول على توقيعه، وتحوّلت هذه اللقاءات إلى مقاطع على تيك توك ليتابعها الملايين. 

المدن التي يزورها بارديلا ليست عشوائية، بل تشمل مناطق استراتيجية في شمال فرنسا وسواحل البحر المتوسط، مثل تولون ونيس ومرسيليا، التي قد تشهد تغييرات تاريخية في الانتخابات البلدية القادمة.

تشابه الصعود مع ممداني

الصعود السريع لبارديلا، دفع بالمقارنة مع السياسي التقدمي زهران ممداني في نيويورك، الذي صعد إلى السلطة بسرعة وفاعلية، لكن من الطرف الآخر من الطيف الأيديولوجي. 

فرغم اختلاف المواقف الفكرية والسياسية، يشترك الرجلان في العديد من الخصائص: كونهما من أبناء الهجرة، واستهدافهما جيل الشباب، واستخدامهما وسائل رقمية لإيصال رسائل سياسية مباشرة، والقدرة على ركوب موجة الغضب الشعبي ضد النخب التقليدية.

الاقتصاد ونقاط الضعف

بارديلا يعزز صورته من خلال لغة اقتصادية ليبرالية نسبيًا لجذب المهنيين والناخبين الأكبر سنًا، مع الحفاظ على المواقف التقليدية للحزب في القضايا الأمنية والهوية الوطنية والهجرة. ومع ذلك، يبقى الاقتصاد نقطة ضعف، إذ تتأرجح سياسات الحزب بين خطاب السوق الحر والمطالبات الضريبية الشعبوية، بينما اعتبرت التقديرات المالية التي قدمها الحزب لتحقيق وفورات كبيرة غير واقعية من قبل الاقتصاديين.

 كما أثار اقتراحه بأن يشتري البنك المركزي الأوروبي الديون الفرنسية مباشرة موجة انتقادات.

ورغم الزخم الجماهيري، يشكك بعض الخصوم وحتى قيادات الحزب في خبرته، فهو لم يلتحق بالجامعة، ولم يدير وزارة، ولم يعمل خارج الحزب إلا فترة قصيرة. 

أخبار ذات علاقة

 مارين لوبان وفي الخلفية جوردان بارديلا

مارين لوبان تُسرّع خطة الخلافة.. بارديلّا في قلب السباق الرئاسي 2027

الوريث المستقل

يحذر خبراء الاتصال السياسي من أن الحملة الرئاسية الفرنسية قد تكون صعبة عليه بسبب افتقاره للخبرة العملية، لكن لوبان تؤكد أن لديه حبًا عميقًا لفرنسا، وأن التاريخ مليء بشباب غيروا مجرى الأحداث في سن مبكرة.

في كتابه، يفرد بارديلا مساحة واسعة لقصص فرنسيين يواجهون صعوبات اقتصادية، لكنه لا يخصص للوبان سوى فقرة واحدة، رسالة فحواها أنه تجاوز مرحلة "الوريث" إلى مرحلة "المستقل القادر على الحكم".

لكن رغم تناقض الرؤيتين بين بارديلا وممداني، يلتقي الرجلان عند نقطة واحدة: فهم عميق لروح العصر، فهما أبناء جيل جديد من السياسيين الذين يتجاوزون الأيديولوجيا الجامدة، ويخاطبون تعب الناخبين من النخب التقليدية، ويستخدمون لغة رقمية شعبية تُصنع فيها السلطة عبر الصورة قبل الفكرة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC