مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2027، يجد الرئيس الحالي لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، جوردان بارديلا، نفسه تحت مجهر النقد العام، إذ يواجه اتهامات بعدم الكفاءة والخبرة السياسية اللازمة لتولي أعلى منصب في البلاد.
ويعتمد بارديلا البالغ من العمر 30 عامًا، ولم يستكمل دراسته الجامعية في الجغرافيا، في سيرته المهنية على مسار سياسي محدود، ما جعله هدفًا سهلًا للنقد من خصومه السياسيين والإعلاميين على حد سواء.
في أغسطس/ آب عام 2023، خلال لقاءات سان دوني التي نظمها الرئيس إيمانويل ماكرون مع رؤساء الأحزاب، كان بارديلا تحت المراقبة الدقيقة، بهدف اختبار قدراته الحقيقية.
ورغم بعض الملاحظات الساخرة حول مظهره أو هواياته الشخصية، ركز المسؤولون على خبرته السياسية المحدودة، إذ وصفه بعضهم بأنه يتمتع بمهارة إعلامية جيدة، لكنه ضعيف في المسائل التقنية، وأخف وزنًا من مارين لوبان على صعيد الشخصية والسياسة.
ولم تتوقف الانتقادات عند الخبرة السياسية، فقد اعتبر البعض أن مسار بارديلا الضئيل لا يكفي لتأهيله للرئاسة، خاصة أنه لم يدر أي جهة محلية، ولم يمتلك خبرة عملية واسعة.
ووصفه الرئيس الإقليمي كزافييه برتراند بأنه يفتقر إلى معرفة الحياة والسياسة، وأنه يميل إلى تكرار الشعارات أكثر من التعامل مع التفاصيل الإدارية والميزانيات، بحسب مجلة "ليكسبريس".
ولا تعدّ محاكمة السياسيين الجدد لافتقارهم إلى الخبرة ظاهرة جديدة في فرنسا، فقد واجه عدد من الرؤساء والمرشحين، مثل فرانسوا أولاند ونيكولا ساركوزي، اتهامات مشابهة.
وفي كل مرة، كانت وسائل الإعلام والمنافسون يحاولون إثبات ضعفهم أمام الجمهور، سواء في النقاشات التلفزيونية أم المقابلات المباشرة.
وبالنسبة لبارديلا، أصبح فقدان الخبرة نقطة مركزية يمكن استغلالها ضده، خاصة في مواجهة خصومه الذين يملكون سجلًا أطول من العمل السياسي والخبرة الإدارية.
ورغم ذلك، فإن اتهامات قلة الخبرة ليست بالضرورة مؤثرة على ناخبي حزب التجمع الوطني، الذين يرون في بارديلا ممثلًا لشريحة اجتماعية مختلفة.
ويشير بعض الخبراء إلى أن التركيز على الكفاءات الأكاديمية والإدارية قد يبدو متعجرفًا، ويفتح فجوة بين النخبة والفئات الشعبية.
أما بالنسبة للناخبين الذين يتماشون مع الحزب، فإنهم يعتبرون أن القرب من مشاكلهم اليومية وفهم مطالبهم أهم من السيرة الذاتية التقليدية.
وفي مواجهة الانتقادات، حاول بارديلا تحويل اتهامات قلة الخبرة إلى "ميزة"، مؤكدًا أن التركيز على المؤهلات الأكاديمية وحدها لا يعكس القدرة على القيادة.
ووصف بارديلا العملية التقليدية لتقييم الكفاءات بأنها نخبوية ومفتقرة للربط مع الواقع الشعبي، مشيراً إلى أن شعور الفرنسيين بأن الحزب قريب من اهتماماتهم يجعل انتخابه مشروعيًا، وأن الانخراط الشعبي يمكن أن يكون بديلًا عن الخبرة الطويلة.
وبينما يبدو أن قواعد الحزب مؤمنة به، فإن الناخبين الجدد أو الفئات غير التقليدية قد يكونون أكثر حساسية للانتقادات المتعلقة بخبرته.
ويرى بعض المحللين أن هذا قد يعيق توسع نفوذ الحزب بين الفئات العمرية الأكبر أو بين رجال الأعمال، الذين يفضلون تجربة طويلة في الإدارة العامة.
وتخضع كل حملة انتخابية لقواعد صارمة من حيث اختبار المعلومات والمعرفة السياسية، سواء في المقابلات أم المناظرات، فيما تبقى قدرة المرشح على التعامل مع هذه الضغوط مؤشرًا رئيسًا على فرصه.
وأظهرت التجارب السابقة مع مارين لوبان وإريك زيمور، اللذين شهدت حملاتهما تقلبات كبيرة حسب أداء المرشحين في الوسائل الإعلامية والمنافسات العامة.
ويسعى النائب الأوروبي إلى اكتساب الثقل السياسي الذي لم يمنحه إياه مساره الضعيف، لكن هذا الجهد يبدو أحيانًا مصطنعًا.
ويظهر في حديث بارديلا أسلوب رسمي، مصحوبًا بأخذ نفس عميق قبل الكلام، ويرتدي أزياء واسعة مستوحاة من أسلوب الرئيس السابق جاك شيراك، مع إشارات ثقافية أحيانًا مبالغ فيها، تُقدّم بشكل غير شخصي.
وعلى سبيل المثال، إطراؤه على كتاب مذكرات من العالم الآخر لتشادربريان على قناة (LCI)، الذي يتحدث عن طفولة الكاتب في بريتاني، وعن الملوك المخلوعين وفرنسا في عهد الثورة ونابليون، يبدو وكأنه محاولة لإظهار وعيه بالحاجة لإثبات نضجه السياسي.
وعندما يتبين أن بلوغ مستوى المنصب صعب، تبقى هناك احتمالية أخرى: أن ينزل المنصب إلى مستوى المرشحين.. فهل لا يزال الفرنسيون يعتقدون أن مصيرهم مرتبط بشخص واحد فقط؟
ويذكّر الرئيس السابق فرانسوا أولاند بأن الرئاسة تعني اتخاذ قرارات الحياة والموت، ومن هنا يسأل دائمًا: من نختاره كرئيس للجمهورية؟
أما وزير الدفاع السابق برونو لو مير، فيرى أن الانتخابات الرئاسية 2027 ستُحسم على أساس الصلابة والكفاءة: من سيكون قادرًا على مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو الروسي فلاديمير بوتين أو الصين؟
ويبقى التساؤل الرئيسي: هل يجب أن تكون الخبرة التقليدية معيارًا حاسمًا في الانتخابات الرئاسية، أم يمكن للشخصية والشعبية والارتباط بالناخبين أن تكون مقياسًا بديلًا؟
وفي نهاية المطاف، يبدو أن الرأي العام الفرنسي سيقرر ما إذا كان جوردان بارديلا، مبتدئ السياسة، قادرًا على الوصول إلى الإليزيه، أم أن التجربة والمسار الطويل هما الشرط الأساسي لقبول المرشح الأعلى في الدولة؟