أكدت التقديرات الإسرائيلية أن السؤال الكبير المسيطر على الشرق الأوسط الآن ليس "هل سيُستأنف القتال بين إيران وإسرائيل؟"، بل "متى ستبدأ الجولة التالية وعلى أي جبهة؟"، حسبما ورد في صحيفة "معاريف" العبرية.
وترى تل أبيب وواشنطن، وأيضًا طهران، أن القتال لم ينتهِ بعد، وقد نشهد جولة أخرى خلال أسابيع، وقد يستمر الهدوء لأشهر، لكن التوتر القائم، وانعدام الثقة، والصراع الذي لم يُحل بعد حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني، لن يختفي من تلقاء نفسه، حتى لو تدخلت جهات فاعلة مثل روسيا أو الاتحاد الأوروبي أو دول عربية معتدلة.
ووفق التقييم الإسرائيلي، من دون إطار ملزم للهدنة، فإن وقف إطلاق النار سيظل هشًا، وإن حدثًا واحدًا من اغتيال، أو هجوم إرهابي، أو هجوم مجهول، يكفي لإعادة إشعال النيران.
حرية التصرف
وأعلنت إسرائيل أنها لن تتخلى عما عرفته بـ"حرية التصرف الكاملة" بضرب إيران في أي وقت تراه، وتواصل طهران بثّ روح الصمود والاستعداد لمواصلة الصراع واستعدادها لمواصلة برنامجها النووي.
وترصد الصحيفة العبرية أحد السيناريوهات المحتملة والمتشائمة والواقعية، وفق الرؤية الإسرائيلية، وهو "حربٌ متدحرجة"، بمعنى جولات قصيرة ومُركزة، لكنها مُدمرة، تحدث كل بضعة أشهر، في كل مرة على ساحة مختلفة: لبنان، وسوريا، وغيرهما.
وتوضح المحللة الإسرائيلية آنا بارسكي، أن صراعًا كهذا من شأنه أن يُقوّض الاستقرار الإقليمي تدريجيًا، ويزيد التدخل الأمريكي، ويؤدي إلى عدم انتهاء الحرب بجولة شاملة، بل إلى استمرارها كبنية تحتية حربية مُستمرة.
السيناريوهات المستقبلية
لكن أين ترى واشنطن نفسها من هذه السيناريوهات المستقبلية؟
وفق التقديرات، فإن الولايات المتحدة ستبقى حاضرة في الساحة في هذه المرحلة، ليس من منطلق أيديولوجي، بل من منطلق المصلحة.
وعن الرئيس ترامب، فهو غير مهتم بفتح جبهة جديدة، وفي الوقت نفسه، لديه مصلحة في إظهار قوة ردع، سواء ضد إيران أم ضد منافسيه ومنتقديه على الساحة الداخلية. لذلك، طالما لم تحدث أي شرارة قوية، سيواصل ترامب الضغط على الجانبين لالتزام الصمت.
مع ذلك، ليس هناك يقين من أن الولايات المتحدة ستتدخل عسكريًا مجددًا في حال اندلاع قتال واسع النطاق، وقد أدلى ترامب نفسه بتصريحات متناقضة، إذ قال مرةً: "أمريكا انتهت من مهاجمة إيران"، وفي مناسبة أخرى: "سنهاجم مجددًا إذا لزم الأمر".
دعم الكونغرس
وبحسب التقدير العبري، وراء هذه التصريحات والتغريدات، ثمة حقيقة واقعة، فدعم الكونغرس لمزيد من الإجراءات غير مضمون، والمجتمع الأمريكي متوترٌ بما يكفي على أي حال، وهذا ضعف استراتيجي قد يضع إسرائيل في مأزق صعب، إذا ما قررت توجيه ضربة استباقية أخرى، كما أن هناك حالة من القلق تتملك تل أبيب من الموقف الأمريكي القادم، هل ستبقى داعمة لإسرائيل أم ستكتفي بالمشاهدة من بعد؟
ووفق صحيفة "معاريف" العبرية، فإن الخطوط الاستراتيجية التي شكّلت أساس الصراع بين البلدين، مبنية على إصرار إسرائيل على وقف البرنامج النووي الإيراني، باعتباره هدفًا وطنيًا أسمى، وفي المقابل لن تتخلى إيران عن مشروعها النووي حتى لو عادت الآن إلى قاع الأرض، لتستمر اللعبة، ولن يخدع أحد نفسه بأنها انتهت.
رسالة برنياع
وكما تقول بارسكي، فهذه بالفعل كانت الرسالة التي أراد رئيس الموساد، ديدي برنياع، إيصالها في نهاية الحرب، حيث أدلى بتصريح علني غير مألوف من مقر عمليات الموساد قائلًا: "سنواصل مراقبة جميع المشاريع في إيران من كثب، والتي نعرفها بدقة، سنكون هناك كما كنا حتى الآن".
ومن الصعب توضيح ذلك من وجهة نظر إسرائيل، لكن الهدوء مؤقت تمامًا، والحرب لم تنتهِ بعد، بل إنها مجرد مرحلة، وفق تأكيد "معاريف".
ووفق المحللة الإسرائيلية، لم يكن وقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران نتيجة عملية دبلوماسية معقدة، بل موازنة مؤقتة للمصالح، حيث سعت إسرائيل إلى تحقيق مكاسب تكتيكية كبيرة، فدمرت سلسلة من المنشآت والمستودعات والقواعد.
ضربة قاسية
أما إيران، فقد تلقت ضربة قاسية، لكنها لم تُزعزع استقرارها، واختارت تجنب جولة أخرى من الضربات الجوية الأمريكية.
وبحسب "معاريف"، فإن الاتفاق بين إيران وإسرائيل غير مستقر؛ فلا توجد آليات مراقبة، ولا قنوات اتصال مباشرة دائمة، ولا التزامات صريحة من أيٍّ من الجانبين بوقف التسلح أو الحد من الأنشطة.
وفي مثل هذه الحالة، قد يُدمر الهدوء في المنطقة في أي لحظة بصاروخ يُطلق من لبنان، أو طائرة مُسيّرة من اليمن، أو تقرير إعلامي عن هجوم إسرائيلي في سوريا، كما أن الهدوء مع إيران هشٌّ إلى حدٍّ ما، وسط عدم يقين من الموقف الأمريكي وقتها، وفق التقدير الإسرائيلي.