كشفت تقارير أمريكية أن الرئيس دونالد ترامب أبلغ نظيره الأوكراني وقادة أوروبيين رغبته في عقد قمة ثلاثية تضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الجمعة المقبل، غير أن الكرملين لم يؤكد حتى الآن مشاركته في تلك القمة.
ووفق ما نقل موقع "أكسيوس" عن مصادر مطلعة، فإن ترامب أوضح خلال اتصال هاتفي أجراه يوم السبت الماضي مع زيلينسكي وعدد من القادة الأوروبيين، أن هدفه هو ترتيب لقاء ثلاثي في أقرب وقت ممكن، وربما يوم الجمعة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن أي تقدم يبقى مرهونًا بالشروط الروسية لوقف الحرب، والتي تتضمن انسحاب أوكرانيا من دونيتسك ولوغانسك مقابل تجميد القتال في مناطق أخرى، إلى جانب دعم فكرة منح كييف ضمانات أمنية خارج إطار حلف شمال الأطلسي "الناتو".
من جانبه، أبدى وزير الخارجية الأوكراني، أندريه سيبيها، خلال اتصال هاتفي مع نظيره التركي هاكان فيدان، دعم بلاده الكامل للجهود المبذولة من أجل ترتيب اجتماع بين أوكرانيا والولايات المتحدة وروسيا على أعلى مستوى، وفي أقرب وقت ممكن، في إشارة إلى أن كييف ترى في هذا المسار فرصة لاختبار جدية موسكو في التوصل إلى تسوية، رغم إدراكها لحساسية الشروط التي يطرحها الكرملين.
وفي خضم هذه المحاولات الأمريكية، وعلى وقع الشروط الروسية، والتعنت الأوكراني، والقلق الأوروبي، يبقى السؤال الأبرز: هل ينجح الرئيس الأمريكي في جمع الزعيمين الروسي والأوكراني على طاولة مفاوضات واحدة يوم الجمعة المقبل؟
وبحسب خبراء، يسعى ترامب بقوة إلى إنهاء الحرب عبر جمع بوتين وزيلينسكي على طاولة واحدة، غير أن المشهد معقد بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب، وضم روسيا لمناطق جديدة، فضلاً عن الضغوط الأوروبية التي تمارسها دول كبرى، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، والتي لا ترغب في منح موسكو أي انتصار سياسي أو عسكري؛ ما يجعل فرص عقد لقاء مباشر قريبًا غير مرجحة في الوقت الراهن.
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، الدكتور نزار بوش، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى بكل قوة لإنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، عبر جمع الرئيسين فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي على طاولة واحدة، في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام شامل يمنحه فرصة الظهور كبطل عالمي للسلام، وربما يفتح له الطريق نحو الفوز بجائزة نوبل للسلام.
وأضاف بوش، لـ"إرم نيوز"، أن الضغوط الأوروبية تمثل عقبة بارزة أمام مساعي التسوية، قائلاً: "هناك ضغوط كبيرة تُمارَس على الرئيس ترامب، وكذلك على الرئيس زيلينسكي، من جانب دول أوروبية كبرى، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وهذه الدول لا ترغب في أن يُمنح بوتين أي نوع من الانتصار السياسي أو العسكري".
وأكد أن ترامب يطمح بالفعل إلى جمع بوتين وزيلينسكي على طاولة مفاوضات مباشرة، لكن من غير المرجح أن يحدث ذلك في المستقبل القريب، موضحاً أن عقد مثل هذا اللقاء يتطلب في البداية مفاوضات تمهيدية معمقة بين الوفدين الروسي والأوكراني، يليها التوصل إلى وقف فعلي لإطلاق النار، ثم الانتقال إلى صياغة وثيقة سلام أو معاهدة رسمية.
وتابع: "ترامب لا يزال متعجّلاً في تحقيق هذا اللقاء، إلا أن العقبات الأوروبية ما زالت حاضرة، حيث تمارس هذه الدول ضغطاً على زيلينسكي لعدم القبول بأي تنازل، وفي الوقت نفسه تضغط على ترامب كي لا يقدم أي مكسب لبوتين".
ووفق بوش، فإن الطريق نحو السلام قد يكون عبر خطوات تدريجية تبدأ بوقف تزويد أوكرانيا بالأسلحة، يليها مرحلة متقدمة من الحوار، وصولاً إلى إمكانية عقد لقاء ثلاثي يجمع ترامب وبوتين وزيلينسكي، مشدداً على أن الحديث عن ذلك لا يزال مبكراً جداً، في ظل غياب مفاوضات مباشرة وجادة بين الجانبين الروسي والأوكراني حتى الآن.
من جانبه، قال الأستاذ بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي، إن فرص نجاح أي حل للأزمة الأوكرانية في المرحلة الحالية تبدو ضئيلة للغاية، على الأقل من منظور الرؤية الروسية.
وأضاف القليوبي، لـ"إرم نيوز"، أن موسكو تشكك في شرعية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي؛ نظراً لعدم إجراء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا العام الماضي بسبب ظروف الحرب، مشدداً على أن روسيا ترى أن توقيع أي اتفاق نهائي يجب أن يتم مع السلطة العليا الممثلة في البرلمان الأوكراني، وليس مع زيلينسكي بصفته الشخصية.
ولفت إلى أن الرئيس الروسي أعرب بالفعل عن استعداده للقاء زيلينسكي، لكن بشرط التوصل أولاً إلى أرضية مشتركة من خلال المفاوضات غير المباشرة، موضحاً أن الوفدين الروسي والأوكراني عقدا عدة جولات تفاوضية في إسطنبول، لكنها اقتصرت حتى الآن على الملفات الإنسانية، مثل تبادل الأسرى وجثامين القتلى، دون أن تشمل قضايا التسوية السياسية.
وأكد القليوبي أن كلا الطرفين ما زالا بعيدين عن رؤية موحدة للحل؛ فروسيا تعتبر أنها تحقق تقدماً ميدانياً، وتسعى إلى السيطرة الكاملة على مقاطعة دونيتسك، بعد أن أحكمت سيطرتها بالفعل على مقاطعة لوغانسك، بينما ترى أوكرانيا أنها ما زالت قادرة على الصمود والحفاظ على جبهاتها بدعم أوروبي مباشر واستخدام الطائرات المسيّرة، رغم طول أمد المعارك.
وشدد على أن الحل النهائي مرهون بتغير المعطيات على الأرض، بما يدفع أحد الطرفين إلى تقديم تنازلات مؤلمة لإنهاء الحرب، وفي الحالة الأوكرانية قد يحدث هذا في حال تراجع الدعم الأوروبي، أما في الحالة الروسية فقد تضطر موسكو إلى تقديم تنازلات إذا انهارت أسعار النفط إلى مستويات متدنية جداً، تصل إلى نحو 20 دولاراً للبرميل، وهو ما قد يدفعها إلى تخفيف موقفها لتقليل آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.