logo
العالم

"الفساد المنظم" في أوكرانيا يهدد بتجميد المساعدات الأوروبية

"الفساد المنظم" في أوكرانيا يهدد بتجميد المساعدات الأوروبية
الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكيالمصدر: رويترز
01 أغسطس 2025، 4:29 م

يجد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، نفسه في مواجهة مباشرة مع الاتحاد الأوروبي، بعدما لوّحت بروكسل بتجميد مساعدات مالية تبلغ 50 مليار يورو، بسبب ما وصفته بـ"تقويض استقلالية مؤسسات مكافحة الفساد" في كييف.

وجاء التحذير الأوروبي عقب تصويت حزب "خادم الشعب" الحاكم لصالح إخضاع هيئات مكافحة الفساد للمدعي العام، وهو ما اعتبرته المفوضية الأوروبية انتهاكًا صريحًا لشروط الدعم.

المفوضية حجبت بالفعل 1.5 مليار يورو، من أصل 4.5 مليار كان من المفترض صرفها في الشريحة التالية، وسط شكوك متزايدة بشأن نوايا زيلينسكي في تمرير قانون يُعيد استقلال المكتب الوطني لمكافحة الفساد.

أخبار ذات علاقة

مقر البرلمان الأوكراني

البرلمان الأوكراني يعتزم "تصحيح" قانون هيئات مكافحة الفساد

احتواء الأزمة

تصاعد التوتر بعد اقتحام جهاز الأمن الأوكراني نحو 70 مكتبًا تابعًا للهيئة واعتقال محققين، بحجة التصدي للنفوذ الروسي، في خطوة اعتُبرت ردًا على التحقيق مع نائب رئيس الوزراء السابق وأحد المقربين من زيلينسكي في قضايا فساد.

وبالرغم من محاولة زيلينسكي لاحتواء الأزمة بتقديم مشروع قانون يُعيد استقلال المكتب الوطني لمكافحة الفساد، إلا أن مسار هذا المشروع داخل البرلمان يظل غامضًا، ويبرز السؤال الحاسم: هل يختار زيلينسكي حماية حلفائه ومراكزه الداخلية على حساب 50 مليار يورو من الدعم الأوروبي؟

وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، الدكتور نزار بوش، أن الفساد في أوكرانيا ليس وليد حقبة الرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي، بل يعود إلى ما قبل ذلك بكثير، مشبّهًا انتشاره بـ"النيران في الغابات".

وقال أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إن مظاهر الفساد كانت متجذرة في أوساط السلطة السابقة، حيث جرى نهب الأموال العامة، بما في ذلك أموال البنوك والشعب، إلى جانب عمليات خصخصة مشبوهة للمؤسسات ونهبها بطرق ممنهجة.

وأوضح أن الأمور ازدادت سوءًا بعد تولّي زيلينسكي السلطة، مشيرًا إلى أن معدلات الفساد تضاعفت بعد اندلاع العملية العسكرية الروسية، نتيجة تدفّق المساعدات الغربية بأحجام غير مسبوقة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، والتي تُمنح تحت غطاء الدعم العسكري والمالي.

فساد منظم

وأشار بوش إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال يُوزّع بين الجنرالات والوزراء، بل وحتى بين أفراد مقرّبين من زيلينسكي نفسه، موضحًا أن هناك تقارير موثّقة عن مسؤولين بارزين نهبوا مليارات الدولارات ثم فرّوا إلى الخارج، نحو إسرائيل ودول أوروبية، خشية الملاحقة.

وأضاف أن مسؤولين أمريكيين، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحدّثوا مرارًا وبشكل علني عن "الفساد المنظَّم" داخل أروقة الحكم في كييف، وتحديدًا في ملف المساعدات العسكرية التي تم توجيه معظمها إلى غير مستحقيها، بحسب وصفه.

وحول حزمة الدعم الأوروبية البالغة 50 مليار يورو، رأى بوش أن الاتحاد الأوروبي بات مترددًا بشأن تقديم هذا المبلغ الكبير لأوكرانيا، مشيرًا إلى أن الأوروبيين أصبحوا أكثر إدراكًا لحجم الفساد داخل السلطة، في ظل تفاقم حالة الفوضى التي تضرب مؤسسات الدولة والجيش.

وأكد أن المسؤولين في أوكرانيا يدركون أن الحرب تقترب من نهايتها، وأن ميزان المعركة يميل لصالح روسيا، ولذلك "يسارع الكثير منهم إلى سرقة ما يمكن سرقته من أموال الدعم الغربي قبل فوات الأوان".

وأشار بوش إلى أن الفساد بلغ ذروته داخل المؤسسة العسكرية الأوكرانية، لدرجة أن الجنود بدؤوا بالهروب من الجبهات أو الاستسلام، بسبب عدم حصولهم على الرواتب، في وقت تذهب فيه مليارات الدولارات إلى جيوب القيادات العليا.

شروط صارمة

في المقابل، قدّم المحلل السياسي المتخصص في الشأن الروسي، الدكتور نبيل رشوان، مقاربة مغايرة جزئيًا، معتبرًا أن الرئيس زيلينسكي اتخذ بالفعل خطوات لمحاربة الفساد، من خلال إنشاء إدارة مستقلة لمتابعة هذا الملف داخل الحكومة.

وأكد رشوان، في تصريحاته لـ"إرم نيوز"، أن زيلينسكي يدرك تمامًا أن استمرار تدفّق الدعم الغربي، سواء في شكل مساعدات مالية أو عسكرية، مرتبط بمدى التزام حكومته بتحقيق تقدم ملموس في مكافحة الفساد.

وأوضح أن الاتحاد الأوروبي يضع اشتراطات صارمة لانضمام أي دولة إلى عضويته، وأن مكافحة الفساد تُعد من أبرز المعايير التي تخضع للتقييم، خصوصًا أن أوكرانيا مصنّفة حاليًا كدولة مرشّحة للعضوية.

تغيرات مفاجئة

وأشار رشوان إلى أن زيلينسكي يسعى إلى تعزيز موقع بلاده الأوروبي تحسّبًا لأي تغيّرات مفاجئة في الموقف الأمريكي، وخاصة إذا ما أدّت ضغوط  واشنطن – بقيادة الرئيس ترامب – إلى تهدئة ميدانية أو اتفاق يفرض وقف إطلاق النار مع موسكو.

وقال: "في حال الوصول إلى تسوية، ستجد أوكرانيا نفسها مطالَبة بتسريع الإصلاحات الداخلية استعدادًا لمسار الانضمام الكامل إلى الاتحاد الأوروبي".

أخبار ذات علاقة

شحنة أسلحة أمريكية لأوكرانيا

"قانون السلام".. خطة أمريكية لتسليح أوكرانيا بأموال أوروبية

ولفت رشوان إلى أن انضمام أوكرانيا الفعلي إلى الاتحاد الأوروبي سيظل رهنًا بتطورات النزاع مع روسيا، مرجّحًا أن يستغرق هذا المسار قرابة عقد كامل، حتى تتوفر البيئة السياسية والدستورية المناسبة لذلك.

وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن الاتحاد الأوروبي يدرك أن الفساد لا يمكن القضاء عليه بين ليلة وضحاها، لكنه يشترط وجود نية سياسية حقيقية، ومؤسسات رقابية فعّالة، وإرادة مجتمعية للشفافية والمساءلة، وكلها عوامل لم تكتمل بعد في أوكرانيا.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC