تشهد الصين طفرة غير مسبوقة في صادراتها إلى أفريقيا، مدفوعة بالرسوم الجمركية الأميركية الجديدة التي دفعتها لإعادة توجيه تجارتها بعيدًا عن الأسواق الغربية، نحو القارة السمراء.
ووفقًا لوكالة بلومبرغ، ارتفعت الشحنات الصينية إلى أفريقيا بنسبة 25% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، لتصل إلى 122 مليار دولار، وسط توقعات بتجاوز هذا الرقم حاجز 200 مليار دولار مع نهاية العام، وهو رقم قياسي يعكس تحوّلًا في موازين التجارة العالمية.
وبدأت هذه الديناميكية الجديدة عقب فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية باهظة على السلع الصينية، بلغت في ذروتها 145%. وعلى الرغم من خفضها، لاحقًا، إلى 30%، وجدت بكين نفسها تبحث عن أسواق بديلة، لتتجه بقوة نحو أفريقيا.
وساهم هذا التحول في تسريع خطة الصين طويلة الأمد لتوسيع نفوذها في القارة، والتي بدأت مع إطلاق مبادرة "الحزام والطريق" العام 2013. ومع العقود الضخمة التي فازت بها الشركات الصينية لبناء شبكات السكك الحديدية، والمناطق الصناعية، والبنية التحتية، ارتفع الطلب على المعدات والمواد الصينية بشكل حادٍ خلال العام الجاري.
وأصبحت الدول الأفريقية الكبرى مثل نيجيريا، جنوب أفريقيا، ومصر، وجهات رئيسة للآلات والمركبات والصلب الصيني، مستفيدة من الأسعار المنخفضة. وفي ظل تسارع مشاريع الكهرباء في القارة، ارتفعت صادرات الألواح الشمسية الصينية إلى أفريقيا بنسبة 60%، مما أدى إلى تركيب شبكات كهرباء جديدة حتى في المناطق النائية.
وفي الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة ضرائب على السلع والمواد الخام الأفريقية، تبنت الصين سياسة مغايرة تمامًا، فألغت الرسوم الجمركية على وارداتها من عدة دول أفريقية، لتفتح بذلك سوقها أمام 19 دولة، بينها: إثيوبيا، الكونغو، غامبيا، وملاوي.
وخلال النصف الأول من عام 2025 فقط، وقعت الحكومات الأفريقية عقود بناء مع الصين بقيمة 30.5 مليار دولار، بحسب تقرير صادر عن جامعة جريفيث الأسترالية ومركز التمويل والتنمية الخضراء في جامعة فودان الصينية.
ويمثل هذا الرقم 5 أضعاف ما تم إنجازه في الفترة نفسها من العام الماضي، كما يعد الأعلى بين جميع المناطق المشاركة في مبادرة الحزام والطريق.
ووفقاً لمراقبين، فإن النتيجة الصادمة أن الإجراءات الأمريكية الهادفة إلى الضغط على الاقتصاد الصيني، انتهت إلى منحه فرصة تاريخية لتوسيع نفوذه التجاري في أفريقيا، وتحقيق فائض تجاري يتراوح بين 50 و60 مليار دولار.
وأظهر الواقع أن الإدارة الأمريكية أخطأت في تقدير تأثير قراراتها الجمركية، ومنحت الصين – دون قصد – قاعدة انطلاق جديدة تعزز مكانتها العالمية، وتزيد من نفوذها الجيوسياسي في واحدة من أسرع مناطق العالم نموًا.