رئيس وزراء أستراليا: الحكومة ستتبنى إصلاحات للقضاء على الكراهية والتطرف
اتفاق السلام الأخير بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا ليس مجرد خطوة ثنائية نحو الاستقرار الإقليمي، بل يمثل أيضًا فرصة استراتيجية للولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في منطقة البحيرات العظمى الغنية بالمعادن.
فبينما يُحتفل بهذا الإنجاز كوسيلة لخفض التوترات في وسط أفريقيا، تكشف الإجراءات الاقتصادية المصاحبة عن رغبة واشنطن في إعادة تشكيل المشهد الأمني والتجاري وفق مصالحها، وتقليل الاعتماد الغربي على الصين في الموارد الاستراتيجية، بحسب موقع "بزنس إنسايدر أفريقيا".
وُقِّع الاتفاق في واشنطن خلال يونيو/حزيران، بحضور مسؤولين أمريكيين بارزين، ليُظهر الدور النشط الذي لعبته إدارة ترامب في التوسط بين الطرفين.
لكن القصة لا تقتصر على إنهاء النزاعات المسلحة فحسب؛ فمسودة إطار اقتصادي حصلت عليها رويترز تكشف عن خطة أمريكية طموحة لإعادة هيكلة تجارة المعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتوجيه الاستثمارات الأجنبية نحو شفافية أكبر وتحفيز النمو المحلي.
وتسعى الولايات المتحدة من خلال هذا الإطار إلى وضع نفسها في قلب المعادلة الاقتصادية، لضمان عمل الشركات الأمريكية بشفافية، وتقليل النفوذ الصيني على المعادن الحيوية مثل الكوبالت والليثيوم والنحاس، وهي مواد أساسية للسيارات الكهربائية والتقنيات الحديثة.
كما تسعى واشنطن إلى وضع آليات رقابة، بما في ذلك عمليات تفتيش مستقلة ومناطق اقتصادية خاصة، لضمان الامتثال للمعايير الدولية مثل إرشادات العناية الواجبة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وبحسب مسعد بولس، المستشار الكبير لشؤون أفريقيا في إدارة ترامب، فإن الولايات المتحدة تهدف إلى تحقيق توازن بين مصالح الشركات الأمريكية والتنمية المحلية، مؤكّدًا أن الهدف هو "ضمان الشفافية مع تحفيز الاقتصاد المحلي في الوقت نفسه".
تمتلك جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا احتياطيات ضخمة من المعادن الحيوية، إذ توفر الكونغو وحدها أكثر من 70% من الكوبالت العالمي، بالإضافة إلى النحاس والذهب والتنتالوم والليثيوم.
ومع ذلك، ظل عدم الاستقرار والتهريب وضعف آليات الحكم العقبة الأكبر أمام استغلال هذه الموارد لتحقيق التنمية المستدامة.
يتضمن الإطار الاقتصادي المقترح تعزيز الشفافية، وخلق بيئة مستقرة للاستثمارات الأجنبية، وتحديد آليات إشراف عبر لجان توجيهية ومجموعات عمل فنية، لضمان الالتزام بالجداول الزمنية للإصلاحات.
ويُعد الهدف الواضح تحويل تدفقات المعادن من الأسواق غير المنظمة، وغالبًا من النفوذ الصيني، إلى شركاء غربيين، وهو ما قد يعزز الهيمنة الأمريكية في قطاع المعادن الاستراتيجية على مستوى العالم.
لكن هذه الخطوة تحمل مخاطر سياسية وجغرافية؛ فكما أشار دبلوماسي غربي لرويترز، "الأمر يتعلق بالجغرافيا السياسية بقدر ما يتعلق بالسلام"، في إشارة إلى أن النفوذ الأمريكي عبر الاستثمار والتحكم في الموارد يمكن أن يكون أداة ضغط لا تقل أهمية عن الاتفاق السياسي ذاته.
على الرغم من التقدم الرسمي، يواجه تنفيذ اتفاق السلام عقبات ملموسة؛ فالقوات الرواندية لم تنسحب بعد من بعض المناطق، كما لم تبدأ العمليات الكونغولية ضد الجماعات المسلحة المرتبطة برواندا.
وقد تؤخر هذه التحديات الأمنية الإصلاحات الاقتصادية المقترحة، وتثير الشكوك حول قدرة الطرفين على الالتزام بالجداول الزمنية الطموحة.
ومع ذلك، يرى المحللون أن مواءمة المصالح الأمريكية مع الإصلاحات الإقليمية قد تشكل نقطة تحول تاريخية.
فإذا تم تطبيق الإطار الاقتصادي بنجاح، فقد يُمكن للكونغو ورواندا أن تحققا استقرارًا أكبر في حدودهما، وفي الوقت نفسه أن تصبحا لاعبَين محوريين في سوق المعادن العالمية، ما يغيّر موازين القوى في المنطقة لصالح النفوذ الغربي.
وبالنظر إلى اهتمام واشنطن المتزايد بمواد مثل الكوبالت والليثيوم، فإن الاتفاق ليس مجرد سلام سياسي بل فرصة استراتيجية لإعادة رسم خريطة الموارد في أفريقيا.
وهو ما يفسر الحذر الصيني، الذي طالما سيطر على جزء كبير من تجارة المعادن الكونغولية، والقلق الأوروبي من توجيه الاستثمارات بعيدًا عن الشركات الصينية نحو شركاء أمريكيين.
اتفاق السلام بين الكونغو ورواندا هو مثال على كيف يمكن للأمن والسياسة والاقتصاد أن تتقاطع في قلب أفريقيا.
ومن خلال الوساطة الأمريكية، تم وضع أسس لإصلاح تجارة المعادن، بما يعزز الشفافية ويحد من الاعتماد على الصين؛ لكن التحديات الميدانية والسياسية لا تزال قائمة، وقد تحدد مدى نجاح واشنطن في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.
في نهاية المطاف، الاتفاق ليس مجرد إنجاز دبلوماسي؛ إنه فرصة للولايات المتحدة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والاستراتيجي، وتحويل الموارد الطبيعية إلى رافعة للهيمنة على منطقة غنية وحرجة من العالم، مع إبراز الدور الأمريكي كلاعب رئيسٍ في مستقبل وسط أفريقيا.