يواجه رئيس تايوان، لاي تشينغ-تي، وحزبه الحاكم "التقدمي الديمقراطي" ضغوطًا متزايدة لإيجاد تسوية سياسية مع المعارضة، وذلك في أعقاب فشل حملة عزل استهدفت نوابًا من حزب "الكومينتانغ" الموالي للتقارب مع الصين، ما كرّس هيمنة المعارضة على البرلمان وعمّق حالة الجمود السياسي في البلاد.
ففي 26 تموز، صوّت الناخبون برفض واضح لمحاولة عزل 24 نائبًا من حزب الكومينتانغ، موجّهين بذلك ضربة قوية لإدارة لاي.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "The Straits Times" السنغافورية، بدّد هذا الفشل آمال الحزب الحاكم في استعادة السيطرة البرلمانية، وكشف في الوقت ذاته عن استياء شعبي متزايد من أسلوب الحزب التصادمي في العمل السياسي.
وقالت البروفسورة ليو جيا-وي من قسم الإدارة العامة والسياسات في جامعة تايبيه الوطنية: "أظهرت نتائج التصويت على العزل أن الجمهور يفضّل الحفاظ على التوازن السياسي الحالي". وأضافت: "على الحزب الحاكم الآن أن يحترم الرأي العام ويقدّم بعض التنازلات للمعارضة لتجنّب مزيد من الاستقطاب السياسي“.
واقترحت ليو أن يُبادر الرئيس لاي إلى التشاور مع المعارضة قبل تعيين قضاة المحكمة العليا كإشارة حسن نية.
ويشهد البرلمان التايواني حالة من الشلل منذ أكثر من 18 شهرًا، حيث تتكرر المواجهات الكلامية والاشتباكات الجسدية بين الكتل البرلمانية.
ومنذ انتخابات يناير 2024، فقد الحزب الحاكم أغلبيته داخل البرلمان المؤلف من 113 مقعدًا، إذ يملك 51 مقعدًا فقط. في المقابل، تحظى المعارضة بأغلبية بفضل حزب الكومينتانغ الذي يشغل 52 مقعدًا، إلى جانب حزب الشعب التايواني الذي يملك ثمانية مقاعد، ونائبين مستقلين محسوبين على الكومينتانغ.
وكانت حملة العزل التي بدأت بمبادرات من مجموعات مدنية قد حظيت بدعم الحزب الحاكم، الذي اتهم الكومينتانغ بعرقلة تشريعات مهمة تصب في مصلحة بكين، وتضمنت اتهامات بتهديد الأمن القومي عبر تعطيل برامج دفاعية. غير أن هذه السردية لم تلقَ صدى لدى الناخبين.
وقال البروفيسور سو تزو-تشياو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سوشو في تايبيه: "شعار الحزب الحاكم ’قاوموا الصين، وادعموا تايوان‘ لم يكن فعّالًا في هذا السياق". وأضاف: "قد ينجح هذا الخطاب في الانتخابات الرئاسية، لكنه لا ينجح مع الناخبين الذين يتوقعون من النواب التركيز على قضايا معيشية محلية. من الصعب إقناع الناخبين بأن جميع نواب المعسكر الأزرق الموالي للكومينتانغ عملاء للحزب الشيوعي الصيني“.
من جهته، ينفي حزب الكومينتانغ باستمرار أي ولاء لبكين، ويقول إن زياراته المتكررة إلى الصين تهدف إلى إبقاء قنوات الحوار مفتوحة بين ضفتي المضيق.
وأشار مراقبون إلى أن بعض تصريحات الرئيس لاي أثارت استياء الناخبين المعتدلين. ففي خطاب ألقاه في حزيران، شبه لاي العملية الديمقراطية بصهر الحديد، قائلاً إن على الديمقراطية "إزالة الشوائب"، ما اعتُبر إشارة إلى إقصاء الأصوات المعارضة.
وقال البروفيسور المساعد جيمس ييفان تشين، المتخصص في العلوم السياسية في جامعة تامكانغ: "وصم المعارضة بالخيانة وخلق أعداء وهميين داخل تايوان لم يلقَ استحسانًا لدى الناخبين". وأضاف: "ينبغي على لاي والحزب الحاكم تطوير أدوات أفضل لتوحيد المجتمع التايواني“.
وأشار تشين إلى أن على الحزب الحاكم تركيز جهوده على الملفات الاقتصادية الملحّة، مثل القلق الشعبي بشأن الرسوم الجمركية الأميركية المرتقبة على صادرات تايوان. وتسابق تايبيه الزمن للتوصل إلى اتفاق مع واشنطن قبل الأول من آب، لتفادي تطبيق رسوم جمركية قد تصل إلى 32%.
وبعد إعلان نتائج التصويت، أقرّ الحزب الحاكم بالنتائج وتعهد بتعديل نهجه السياسي، لكنه عاد ليكرر اتهاماته بتدخل الصين في الشأن الداخلي. وقال الأمين العام للحزب، لين يو-تشانغ، في مؤتمر صحفي: "لقد كانت هذه حركة مدنية غير مسبوقة، دفعتها محبة الوطن والدفاع عن تايوان في وجه الحزب الشيوعي الصيني".
ورغم ما شكّله هذا التصويت من انتكاسة للحزب الحاكم، حذّر محللون من أن الكومينتانغ لا ينبغي أن يشعر بالرضا. فقد أظهرت أرقام المشاركة أن الدعم لحملات العزل لا يزال قويًا في بعض المناطق. ففي دائرة النائب ييه يوان-تشيه بمدينة نيو تايبيه، لم يتجاوز عدد الأصوات المؤيدة لعزله نظيرتها الرافضة سوى بـ3560 صوتًا فقط.
وقال تشين: "نتيجة التصويت لا تعني بالضرورة فوزًا لحزب الكومينتانغ، بل تعكس رفض الناخبين التايوانيين لاستخدام المؤسسات الديمقراطية كسلاح سياسي بيد الحزب الحاكم".
وأضاف: "على الكومينتانغ مراجعة أجندته وتفكيره الاستراتيجي إذا ما أراد الاستفادة من الزخم الحالي في الانتخابات المحلية عام 2026، وربما التفكير في تغيير قيادته الحالية لتقديم صورة جديدة للناخبين“.
ومن المتوقع أن تستمر التوترات السياسية، إذ يواجه سبعة نواب آخرين من حزب الكومينتانغ جولة ثانية من التصويت على العزل في 23 آب المقبل.