تستعد ساحل العاج خلال شهر أكتوبر المقبل لإجراء انتخابات رئاسية محفوفة الأخطار، وسط أجواء تلبدها "الشحناء السياسية"، وضبابية تنذر بعودة البلد الإفريقي إلى مربع الفوضى التي اختبرها لسنوات خلت خصوصًا مع نهاية كل استحقاق رئاسي.
وتبدو التحديات جمة هذه المرة، فالرئيس الحالي الحسن واتارا يصر على الترشح لولاية رابعة بعد ولاية ثالثة مثيرة للجدل، في حين يتهم ائتلاف أحزاب المعارضة (أكثر من 20 حزبًا) لجنة الانتخابات بأنها تحضر لتنظيم انتخابات من فئة "واتارا 4" في إشارة مزدوجة لترشحه الرابع من جهة، وإقصاء أربعة من أبرز منافسيه.
رغم حرص الكوت ديفوار على إجراء انتخابات رئاسية منتظمة غالبًا ما تحترم فيها الآجال القانونية، إلا أن هذا البلد الإفريقي لم يشهد أي تداول سلس على السلطة منذ أكثر من 30 عامًا، حيث لم تسفر أي انتخابات رئاسية منذ عام 1995، عن تغيير سلمي في هرم السلطة، بل كان يتم انتخاب الرئيس وسط التشكيك في النتائج وعلى وقع اندلاع حرب الشوارع، حتى بات البعض يصف الديمقراطية الإيفوارية بـ"ديمقراطية الضحايا".
وشهدت آخر انتخابات أجريت عام 2020 مصرع نحو 90 شخصًا، ومئات المصابين في تكرار لسيناريو العنف ذاته الذي حصل عند وصول الحسن واتارا إلى السلطة عام 2011، حينها رفض الرئيس لوران غباغبو الاعتراف بالهزيمة، لتندلع حرب انتهت باعتقاله من قبل قوات فرنسية، وقدم لاحقًا لمحكمة الجنايات الدولية التي برأته.
ويرى الصحفي المختص في الشؤون الإفريقية "إبراهيم الهريم"، في تصريح خاص لـ"إرم نيوز"، أن "تاريخ كوت ديفوار مع الانتخابات الرئاسية قل ما تصاحبه أعمال عنف، باستثناء 2015 خلال الولاية الثانية لواتارا، ومع ذلك يتخوف الجميع، معارضة ومولاة، من حدوث مواجهات، وهذا الهاجس حاضر بقوة لدى الإيفواريين".
ويضيف إبراهيم، أن "الشارع في ساحل العاج يدرك أن أي خطأ بسيط ترتكبه السلطات أو أنصار المعارضة، قد يتسبب في تكرار سيناريو 2020، حيث قتل عشرات الأشخاص في موجات عنف قبل وبعد الانتخابات".
يرى العديد من المراقبين، أن إصرار الرئيس الإيفواري على الترشح لولاية رابعة، وهو الذي يستعد لإيداع ملف ترشحه الثلاثاء القادم، 26 أغسطس لدى لجنة الانتخابات في آخر يوم من المدة المحددة لتقديم الترشحات، تشير إلى أن الاقتصادي المخضرم يكرر الأخطاء نفسها، وقد يلاقي مصيرًا مجهولًا أو مشابهًا لمصير سلفه وخصمه المعارض لوران غباغبو الذي أصر على الترشح وتمت هزيمته، وأجبر على مغادرة السلطة معتقلًا وبتدخل فرنسي.
وتكرر المعارضة في ساحل العاج اتهاماتها للرئيس وتارا بمواصلة تحدي الجميع في نهاية ولايته الثالثة "غير الشرعية"، والتي يقولون إنه فرضها بخرقه للدستور الذي لا يسمح إلا بولايتين رئاسيتين، بينما يصر الآن على الترشح لفترة رابعة، ويؤكد معارضوه وخاصة الرئيس السابق لوران غباغبو أنه "لن يقبل، تحت أي ظرف، فترة رابعة من رئاسة واتارا"، وفق ما جاء على لسانه في آخر مهرجان نظمه أنصاره قبل أيام في العاصمة أبيدجان.
ويفسر إبراهيم الهريم، في حديث لـ"إرم نيوز"، إصرار واتارا على خوض انتخابات أكتوبر لمجموعة من "الأسباب أهمها عدم وجود خليفة يثق فيه، ويمكن أن يترك له الرئاسة"، معتبرًا أن "واتارا شخصية مقنعة ومحبوبة من المجتمع الدولي ومن الدول ذات النفوذ، ونعني هنا فرنسا ودولًا غربية".
وأكد الهريم، أن هناك "سبب ثالث يتعلق بخلو الساحة السياسية الآن في كوت ديفوار من شخصية حقيقية مقنعة يمكنها أن تنافسه، باستثناء غباغبو، الممنوع من الترشح، بسبب قرار قضائي، ثم يأتي التيجان ثيام، والذي ينظر إليه باعتباره فاقدًا للخبرة السياسية ولا يملك تجربة في الإدارة المحلية، مع ميزة تحسب له أنه كادر وخبير في مؤسسات دولية، لكن الانتخابات تحسب بمقاييس مختلفة"، وفق قوله.
مع اقتراب الفترة التي حددتها لجنة الانتخابات في ساحل العاج من نهايتها في 26 أغسطس/ آب 2025، لتقديم الراغبين في خوض الانتخابات الرئاسية لملفاتهم، يتحدث الإعلام المحلي عن 4 مرشحين محتملين حتى اللحظة، يتصدرهم الرئيس الحسن واتارا، ثم سيمون غباغبو، الزوجة السابقة للرئيس السابق والمعارض الحالي لوران غباغبو، والذي تنكر لها بعد دخولها السجن وخضوعها للمحاكمة، وقد شكل إعلان ترشحها ما وصف بأنه "زلزال سياسي" لسيدة تلقب بـ"المرأة الحديدية"، بسبب نفوذها الكبير إبان فترة رئاسة زوجها السابق. ثم يبرز أيضًا اسم رئيس الوزراء السابق باسكال أفي نجيسان، والذي يقود حاليًا حزب الشعوب الإفريقية (أسسه الرئيس غباغبو)، فالسياسي المستقل جان لوي بيلون.
وسيكون على هؤلاء المرشحين ومن قد يتقدمون في الأيام الأخيرة، استيفاء شروط لجنة الانتخابات، التي وصفها البعض بـ"التعجيزية"، كونها تفرض على كل مترشح الحصول على عدد معين من التزكيات، مع إثبات أنه يملك تأييدًا شعبيًا بنحو 1% من الناخبين المحليين في 50% على الأقل من مناطق البلاد، وهي شروط ترى المعارضة أنها صممت لإقصاء "المنافسين الجادين"، ولخدمة من هم في الحكم، في إشارة للرئيس الحسن واتارا.
ويتوقع أن تُحيل لجنة الانتخابات قائمة المرشحين للرئاسة إلى المجلس الدستوري للبت فيها وإعلان القائمة النهائية التي ستخوض السباق الانتخابي المثير للجدل في 25 أكتوبر المقبل.
ويرى الصحفي بابا أحمد، في تصريح خاص لـ"إرم نيوز"، أن "الانتخابات في ساحل العاج، لا تختلف كثيرًا عن باقي الدول الإفريقية، فقبل وأثناء الحملة الانتخابية يكثر التصعيد وتبادل الاتهامات، لكن في النهاية يعرف كل مرشح حجمه، وهذا ما يتكرر اليوم في كوت ديفوار".
ويتابع بابا أحمد "صحيح أن من يتابع السياسة في هذا البلد سيلاحظ رفضًا لفكرة تمديد الرئيس لنفسه، لكن استعداد البعض للمشاركة ومنافسة واتارا يعطيه شرعية، حتى قبل بدء الحملة الدعائية، وبالتالي لن يكون هناك مبرر للاعتراض بعد إعلان النتائج".
وخلص الصحفي المهتم بشؤون منطقة الساحل، إلى أن "غياب شخصيات وازنة خصوصًا بعد منع غباغبو وقيادات أخرى في المعارضة، يزيد من فرص الرئيس الحالي في الفوز بولاية رابعة"، مشيرًا إلى أن "الجو السياسي الحالي يعطي علامة غير مسبوقة، حيث رصت المعارضة صفوفها وتوصلت لتحالفات غير مسبوقة، كما أن عدم قمع السلطات لمظاهراتها الأخيرة أعطى مؤشرًا على انحسار المخاوف من معدلات العنف التي عادة ما تصاحب المواعيد الانتخابية في بلد ما تزال العرقية فيه عاملًا أساسيًا في عملية التصويت".
ولعل أكثر من يثير مخاوف الإيفواريين هو أن لجنة الانتخابات أحصت نحو 9 ملايين ناخب من أصل 15 مليون هم عدد سكان البلاد، وسط اتهامات لها بتعمد إقصاء المعارضين البارزين، إذ خلت اللائحة الانتخابية من أسماء كل من تيجان ثيام وغيوم سورو، وتشارلز غودي، فضلًا عن الرئيس السابق لوران غباغبو (حكم البلاد من 2000 إلى 2011).
وعللت اللجنة ذلك بأن ثلاثة منهم لا يمكنهم الترشح ولا التصويت بسبب إدانتهم قضائيًا (غودي، سورو، غباغبو)، أما المعارض البارز تيجان ثيام، المصرفي ورجل الأعمال، فقالت إنه لم يكن يحمل جنسية ساحل العاج عند تسجيله على اللائحة الانتخابية، وبالتالي تم إسقاط اسمه، رغم أنه تخلى عن جنسيته الفرنسية بهدف خوض السباق الرئاسي.
ويجمع المراقبون على أن هذه المعطيات ستجعل من الموعد الانتخابي المرتقب بمثابة "قنبلة موقوتة"، مؤكدين أن الأمل في هزيمة الحسن واتارا يبقى معقودًا على زوجة غباغبو السابقة "سيمون"، ورئيس حزبه باسكال أفي نجيسان، لإحداث المفاجأة وإعادة سيناريو قد يكون شبيهًا بما حدث معه إبان وصوله السلطة عام 2011، لكن الخطر الحقيقي يبقي عودة ساحل العاج لعادتها القديمة، وهي أسابيع من الشغب والفوضى وربما قد تنزلق نحو أتون حرب أهلية غير معلومة العواقب.