تخشى تايوان التي تواجه نُذر "غزو" صيني من مصير أوكرانيا التي تخوض حربًا مصيرية مع روسيا منذ فبراير/ شباط 2022، وفق تقرير لمجلة "فورين أفيرز".
وفي مايو/ أيار، أغلقت تايوان آخر مفاعلاتها النووية، مُكملة بذلك عملية نزع السلاح النووي التي استمرت على مدى أربعة عقود، وهي الخطوة ذاتها التي أقدمت عليها أوكرانيا في تسعينيات القرن الماضي، بعد انفصالها عن الاتحاد السوفيتي سابقًا.
وفي منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كانت تايوان تُولّد نصف طاقتها الكهربائية من الطاقة النووية، ولكن مع انتهاء الحكم العسكري عام 1987، بدأت المشاعر المناهضة للطاقة النووية تترسخ، إذ خشي النشطاء الديمقراطيون الأوائل في تايوان من أن تُواجه كارثة تشيرنوبيل.
وزاد حادث فوكوشيما النووي في اليابان عام 2011 المخاوف النووية، وفي السنوات التالية، سمحت حكومة تايوان بانتهاء صلاحية تراخيص ستة مفاعلات نووية عاملة، جميعها تتمتع بسجلات أداء جيدة، وأوقفت بناء مفاعلين آخرين، وبذلك قوضت، دون قصد، أمن الجزيرة من حيث الطاقة.
تستورد الجزيرة اليوم 98% من احتياجاتها من الطاقة، على شكل نفط وغاز طبيعي مسال وفحم، ويمكن استغلال هذا الاعتماد على واردات الطاقة بسهولة، خاصة من قبل الصين، التي تسعى إلى الاتحاد مع تايوان، وتتدرب البحرية الصينية وخفر السواحل بشكل روتيني على قطع إمدادات موانئ الجزيرة، بما في ذلك ناقلات الطاقة.
يكون هذا السيناريو كارثيًا، ليس فقط لتايوان، بل للولايات المتحدة أيضًا، إذ تُورّد تايوان تقريبًا جميع الرقاقات المنطقية المتقدمة التي تستخدمها شركات التكنولوجيا الأمريكية لتشغيل الذكاء الاصطناعي.
ويسعى مُصنّعو الرقاقات، من تايوان وخارجها، الآن إلى إنشاء مصانع رقاقات أكثر تطورًا داخل الولايات المتحدة، لكن تريليونات الدولارات من رأس المال والخبرة المُستثمرة بالفعل في تايوان تعني أن نجاح الولايات المتحدة أو فشلها في مجال الذكاء الاصطناعي، في المستقبل المنظور على الأقل، يعتمد بشكل مباشر على تايوان.
تواجه تايوان، من بعض النواحي، أزمة طاقة بالفعل، فالبنية التحتية للكهرباء المُرهَقة تُكافح لمواكبة الإنتاج المُتسارع لرقائق الذكاء الاصطناعي.
وتستهلك شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات وحدها الآن 8% من الكهرباء في الجزيرة، أي ما يُقارب نصف استهلاكها، وإذا أرادت الولايات المتحدة ضمان وصولها إلى رقائق الذكاء الاصطناعي الرائدة، وتجنب أزمة جيوسياسية مُعقدة تُسيطر فيها الصين على واردات تايوان من الطاقة، فعليها تعزيز أمن الطاقة في تايوان من خلال المساعدة على تحسين تخزين الطاقة وتشجيع الجزيرة على تبني الطاقة النووية.
منذ بدء أوكرانيا، بدأ شعب تايوان يدرك ضرورة أخذ أمنه، بما في ذلك أمن الطاقة، على محمل الجد، فهم يتعاطفون مع كييف التي تتعرض لهجمات ليلية على شبكاتها الكهربائية، كما يرون أن أوكرانيا، وأوروبا عمومًا، تكبدت خسائر اقتصادية جراء انقطاعات الطاقة.
ويبدو أن الشعب التايواني بدأ يغير رأيه، فعلى سبيل المثال، وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مجلة الكومنولث التايوانية في أغسطس/ آب 2024، يرغب ما يقرب من 70% من التايوانيين الآن في الحفاظ على الطاقة النووية.
ومع ذلك، في ظل ديمقراطية تايوان النابضة بالحياة، لا تزال الأقلية المناهضة للطاقة النووية قوية ومنظمة تنظيمًا جيدًا، ونادرًا ما تجد تايوان خبراء فنيين خارجيين تلجأ إليهم للحصول على المشورة بشأن كيفية تغيير المسار، ويعود ذلك جزئيًا إلى أنها ليست عضوًا في وكالة الطاقة الدولية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي تتمثل مهمتها في تحليل مخاطر أمن الطاقة والتخفيف من حدتها.