ترى مجلة "ذا كاردل" الكندية أن التحالف "الخفي" بين "العدوين" أذربيجان وأرمينيا، يحمل هدفًا كامنًا، وهو طرد روسيا من القوقاز، وإعادة توجيه المنطقة لدعم المصالح الغربية، في الوقت الذي لا تغيب فيه إيران المشغولة بصراعها مع إسرائيل، عن رسم خطوطها الحمراء الإقليمية.
وبالعودة خمسة أعوام إلى الوراء، فقد حملت الاتفاقية الثلاثية لإنهاء حرب ناغورنو كاراباخ الثانية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بذور الصراع الحالي.
ونص البند الختامي من الاتفاقية على أن "تُفتح جميع الروابط الاقتصادية وروابط النقل في المنطقة، وأن تضمن أرمينيا سلامة خطوط النقل بين المناطق الغربية من أذربيجان ونخجوان ذات الحكم الذاتي، لضمان حركة المواطنين والمركبات والبضائع دون عوائق في كلا الاتجاهين".
في البند، لم يُذكر أي مسار أو ممر محدد بالاسم، لكن وفق "ذا كاردل" واستنادًا إلى موقف موسكو التاريخي، من الواضح أن روسيا كانت تتصور إعادة فتح خط سكة حديد القوقاز المغلق منذ عام 1992، الذي كان يمر عبر يريفان، إلى جانب طرق برية عبر الأراضي الأرمينية.
لكن تطورات ما بعد الحرب تكشف أن يريفان وباكو لا تدعمان هذا النهج، بل بدأتا، بهدوء، تُفضّلان بديلًا، عبر ممر يُحيط بالحدود الإيرانية، وتحديدًا ممر زانجيزور، الذي يمتد حوالي 40 كيلومترًا من الأرض، وهو مُصمم لتجاوز السيطرة الأرمينية.
تعتقد "ذا كاردل" أن التطورات السياسية الأخيرة في يريفان وباكو، لا تدع مجالًا للشك في الهدف المشترك لزعمائهما، فقد انتهج رئيس أذربيجان، إلهام علييف، عمدًا "سياسة استفزازية، محولة التوترات مع موسكو إلى مواجهة دبلوماسية".
والهدف الأوسع للرئيس الأذربيجاني هو "إبعاد روسيا عن المعادلة الإقليمية تمامًا"، فيما رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، لم يعد يبذل أي جهد لإخفاء توجهاته "العدائية" ضد موسكو بحسب "ذا كاردل".
ووفق هذا المقدمات السياسية، نشأ الصراع على "الممرات" بين كل تلك الأطراف، وتحديدًا عبر ممر زانجيزور، فرغم أن إعادة فتح خط سكة حديد تديره روسيا هو الحل الأسهل على الإطلاق، إلا أنه يتعارض مع الطموحات الجيوسياسية الأساسية لكل من باكو ويريفان، المتمركزة حول الغرب.
ولكي يتحقق مشروع زانجيزور، يجب على أرمينيا إلغاء امتياز شركة يو كيه جي دي، وقد يبدو هذا محفوفًا بالمخاطر، لكنه يتماشى تمامًا مع المسار الجديد للبلاد، فمن وجهة نظر يريفان، لا يمكن لمثل هذا الانفصال إلا أن يجذب المزيد من رأس المال الغربي والدعم.
ومع ذلك، هناك خيار آخر للممر، وهو ممر أراس بطول 107 كيلومترات، يمر 60 كيلومترًا منه عبر الأراضي الإيرانية، في سبتمبر 2023، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علنًا أنه في حال عرقلت أرمينيا طريق زانجيزور، فيمكن إطلاق ممر أراس بدلًا منه.
بعد شهر، بدأت أذربيجان في بناء جسر فوق نهر أراس بالقرب من منطقة أغبند، ووفقًا لوكالة الأنباء الإيرانية تسنيم، بحلول يناير 2024، كان 15% من أعمال الطريق قد اكتملت بالفعل، ويوشك الجسر على الانتهاء، كما يجري العمل على خطط لإنشاء خط سكة حديد، وكل ذلك بموافقة الجمهورية الإسلامية.
وكان موقف إيران واضحًا لا لبس فيه، ففي منتصف عام 2023، أصدرت رفضًا قاطعًا لأي ممر يتجاوز السيادة الأرمينية، ينبع منطق طهران من عمق استراتيجي، فإذا فقدت أرمينيا السيطرة على حدودها الجنوبية، ستُعزل إيران عن جار تاريخي ودولة عازلة طبيعية.
اتفقت يريفان وباكو عام 2020 على إعادة فتح "جميع خطوط النقل"، ومع ذلك، في أبريل 2021، أعاد علييف صياغة المسألة فجأة، واصفًا زانجيزور بالأولوية.
ونظريًا، يعد هذا المشروع بتجارة وتكامل سلسين، لكن ثمة مشكلة هيكلية، إذ يجب أن يمرّ الممر عبر بحر قزوين، وهو بحر داخلي يحكمه توافق جماعي من جميع الدول المطلة عليه، بما في ذلك إيران وروسيا، اللتان تُهمّشان في ظلّ الضغوط السياسية الحالية.
ومن دون انحياز روسي، لا يمكن تشغيل أي طريق عبور بين الشرق والغرب عبر هذه المنطقة، لذا وحسب "ذا كاردل" فإن مشروع زانجيزور، "بعيد عن كونه خطة بنية تحتية محايدة"، إنما يعكس جهدًا مدروسًا لتهميش دور موسكو في القوقاز".