تفتح الخلافات الروسية مع أذربيجان وأرمينيا "العدوين اللدودين" نحو تحالف، ولو مؤقتًا ضد الرئيس فلاديمير بوتين، مع حاجتهما إلى إنشاء هيكل أمني في جنوب القوقاز هيكل تدعمه دول المنطقة بنفسها، دون مشاركة من موسكو، بحسب تقرير لصحيفة "التليغراف" البريطانية.
وجاء انهيار العلاقات بين روسيا وأذربيجان في سلسلة من الضربات السريعة، بدأت باعتقال سبعة مواطنين من الجمهورية السوفيتية السابقة الشهر الماضي في مدينة يكاترينبورغ الروسية، وتوفى اثنان منهم.
وردت أذربيجان بغضب، إذ أُلغيت فعاليات ثقافية روسية، وداهمت السلطات مكتب وكالة سبوتنيك للأنباء المملوكة للكرملين في باكو، وأُلقي القبض على مجموعة من العاملين الروس في مجال تكنولوجيا المعلومات واتُّهموا بالاتجار بالمخدرات وجرائم الإنترنت.
أما علاقات أرمينيا مع موسكو، فهي متوترة بالأصل، خاصة منذ عام 2023، عندما وقفت قوات حفظ السلام الروسية جانباً إلى حد كبير خلال الهجوم الخاطف الذي شنته باكو لاستعادة منطقة ناغورنو كاراباخ.
وتبدو الحرب بين باكو وموسكو مستبعدة بحسب خبراء، رغم "خطورة الخلاف"، خصوصاً لأن أرمينيا، بعد خوضها سلسلة من الحروب الشرسة مع أذربيجان على مدى 30 عاماً، تتحالف مع عدوها القديم لطرد بوتين من جنوب القوقاز.
في الـ10 من يوليو/تموز، التقى إلهام علييف، رئيس أذربيجان، نيكول باشينيان، رئيس وزراء أرمينيا.
ركزت محادثاتهما المباشرة على ما يُسمى "ممر زانجيزور"، وهو طريق مقترح يربط أذربيجان بجيب ناختشيفان عبر جنوب أرمينيا.
ولطالما كان هذا الممر، بما في ذلك المصطلحات المستخدمة لوصفه، موضع خلاف بين أذربيجان وأرمينيا.
وسيحقق الممر حلماً قومياً تركياً بربط أذربيجان بتركيا مادياً، كما سيشكل جزءاً من طريق التجارة "الممر الأوسط" من الصين وآسيا الوسطى إلى أوروبا.
بموجب اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020 بين أرمينيا وأذربيجان، كان من المقرر أن يراقب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي هذا الطريق، لكن هذا الاتفاق أصبح الآن مهددًا، إذ يسعى علييف إلى إقصاء موسكو من الاتفاق ووضعه تحت السيطرة الأذربيجانية الكاملة.
وقال نيل ملفين، مدير الأمن الدولي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: "هذه هي آخر ورقة رابحة لروسيا في المنطقة"، إذ سيسمح لهم ذلك بالسيطرة على طرق التجارة والاستفادة من العلاقات مع كل من أرمينيا وأذربيجان، وستكون خسارة موسكو ضربة موجعة.
بعد توتر العلاقات الأرمينية الروسية، مال باشينيان نحو الغرب وسعى إلى المصالحة مع باكو، معتقداً أن مستقبل بلاده على المدى البعيد مهدد إذا حافظت على علاقات عدائية مع أذربيجان وتركيا.
وقال نورلان علييف، الباحث البارز في كلية أوروبا، إن إعادة ترتيب أوراق باشينيان الجيوسياسية قد دفعت باكو ويريفان إلى التوافق بشأن موقفهما من روسيا.
وأضاف "يدرك كلا البلدين حاجتهما إلى إنشاء هيكل أمني في جنوب القوقاز دون مشاركة روسية، هيكل تدعمه دول المنطقة بنفسها".
ورغم عدم إنجاز معاهدة سلام نهائية بين أذربيجان وأرمينيا، فإن علييف يرى أن هناك مؤشراتٍ إيجابية، وأن الاتفاق النهائي سيُمثل "ضربة قوية لموقف روسيا في جنوب القوقاز".
يبدو أن عهد تلقي الأوامر من موسكو قد ولّى بالنسبة لرئيس أذربيجان. ويقول المحللون إنه يستغل حادثة يكاترينبورغ ليس فقط للمطالبة بالعدالة، بل لتأكيد الاستقلال.
وقال دبلوماسي روسي رفيع المستوى: "مشكلة العلاقات مع باكو خطيرة. لقد كشّر الرئيس علييف عن أنيابه، كما يفعل أي زعيم استبدادي. وهو الآن يرى نفسه شخصية منتصرة. لم تعد موسكو تُملي عليه شروطها".