logo
العالم

روسيا وبولندا.. أزمة جديدة تضع الناتو أمام سيناريوهات مفتوحة

أضرار في منزل ببولندا بعد سقوط شظايا مسيّرة المصدر: رويترز

دخلت الأزمة بين بولندا وروسيا مرحلة جديدة من التوتر، بعد أن اخترقت 19 طائرة مسيرة المجال الجوي البولندي، واعتبرت وارسو هذا التطور تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، الأمر الذي وضع حلف الناتو أمام سيناريوهات مفتوحة.

وعلى الرغم من نفي موسكو أي علاقة لها بالحادثة، فقد اتسعت دائرة التوتر بين البلدين، وسط تضامن غربي واسع وتحذيرات دولية من خطورة الموقف.

وفقًا للسلطات البولندية، فإن طائرات مسيرة - يُعتقد أنها روسية - اخترقت الأجواء من اتجاه بيلاروسيا/ أوكرانيا، وتمكنت القوات البولندية مدعومة بطائرات تابعة لحلف الناتو، من إسقاط 3 إلى 4 منها، فيما تحطم البعض الآخر، وأسفرت العملية عن أضرار مادية محدودة في شرق البلاد، بينها تدمير سقف أحد المنازل وإتلاف سيارة، دون وقوع إصابات بشرية.

وأكد رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، أن هذه الطائرات جاءت من جهة بيلاروسيا، واصفًا الحادثة بأنها «تقربنا من نزاع مفتوح أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية»، لكنه استدرك قائلًا: «لا ما يدعو للاعتقاد بأننا على شفا حرب».

وفي اليوم التالي، استدعت الخارجية البولندية القائم بأعمال السفارة الروسية في وارسو، أندريه أورداش، وسلمته مذكرة احتجاج رسمية، مطالبة موسكو بتفسير مفصل للانتهاك ومؤكدة أنه ليس حدثًا عرضيًا.

وطالبت بولندا بتفعيل المادة 4 من معاهدة "الناتو"، التي تسمح بعقد مشاورات عاجلة بين أعضاء الحلف عند مواجهة أي تهديد أمني.

ومن جانبها، سارعت روسيا إلى إنكار أي علاقة بالحادث، واتهم المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، "الناتو" والاتحاد الأوروبي بأنهما «دائمًا ما يتهمان روسيا بالاستفزازات دون تقديم أدلة»، واعتبرت وزارة الدفاع الروسية أن الطائرات المسيرة المزعومة «ليس لها مدى يكفي لاستهداف مواقع في بولندا».

أخبار ذات علاقة

طيران حربي روسي

روسيا تختبر "الناتو" في بولندا.. اختراق "محسوب" قبل المواجهة الكبرى

موجة تنديد أوروبي 

وأشعل التوتر الروسي البولندي موجة تنديد أوروبي واسع، حيث وصف المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، الحادثة بأنها «عمل متهور» يهدد أرواح المدنيين في دولة عضو بالناتو، وفي المقابل اعتبرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «غير مقبولة»، ودعا موسكو إلى وقف التصعيد.

أما الموقف الأمريكي فجاء داعمًا لبولندا بشكل مباشر، خاصة مع تأكيد السفير الأمريكي لدى "الناتو"، ماثيو ويتاكر، على دعم الحلفاء في مواجهة هذه الانتهاكات للمجال الجوي وسندافع عن كل شبر من أراضي "الناتو"، كما أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيجري اتصالًا مع نظيره البولندي كارول نافروتسكي لمناقشة تداعيات الحادثة.

الحادثة لم تقع في فراغ، خاصة وأن بولندا كانت قد اتخذت خطوات استباقية لتعزيز قدراتها الدفاعية عبر شراء 486 قطعة من أنظمة الصواريخ الأمريكية «هيمارس» بمدى يصل إلى 300 كلم، إضافة إلى طلبات مقاتلات "إف-35".

كما جاءت قبل أيام من انطلاق مناورات روسية– بيلاروسية كبرى تحت اسم «زاباد 2025» (12–16 سبتمبر/ أيلول) بمشاركة نحو 30 ألف جندي، وهو ما دفع وارسو لإعلان إغلاق حدودها مع بيلاروسيا  اعتبارًا من 11 سبتمبر/ أيلول، في خطوة تعكس خشيتها من تصعيد أكبر.

روايات روسية 

ويرى رامي القليوبي، أستاذ كلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، أن عبور المسيرات الروسية للحدود البولندية يمثل تصعيدًا، وأن هناك روايتين بشأن هذه الواقعة، الأولى، وهي التي روّجت لها وزارة الدفاع الروسية، تقول إن المسيرات تعرضت للتشويش الإلكتروني ما أدى إلى تغيير مسارها ودخولها الأجواء البولندية.

وتابع: «أما الرواية الثانية - التي نميل إليها - فهي أن ما حدث كان رسالة مقصودة من روسيا، تحمل تحذيرًا مفاده أن موسكو قادرة إذا أرادت على الوصول إلى مناطق غربية أو إلى دول شرق أوروبا مثل بولندا من دون إعلان مسبق.

وأضاف القليوبي في تصريح لـ«إرم نيوز» أن هذا التصعيد يمكن اعتباره مجرد درجة على سلم طويل للتصعيد، حيث تبقى أعلى نقطة فيه هي الصدام المباشر، ولكن الصعود درجة على هذا السلم لا يعني بالضرورة استمرار التصعيد بخطوات أخرى، فقد يكون الهدف أحيانًا إرسال رسالة للتهدئة. 

وأشار إلى أن هذه الحوادث ليست معزولة عن السياق الأوسع للتوتر بين روسيا وحلف الناتو، بل تأتي كجزء من سياسة محسوبة تتبعها موسكو لقياس ردود الفعل الغربية وتحديد حدود التحرك المتاح لها دون الانجرار إلى مواجهة شاملة. 

واعتبر أن توقيت الحادثة أيضًا ليس عشوائيًا، بل مرتبط بسياقات إقليمية ودولية متغيرة، قد تشمل تطورات ميدانية في أوكرانيا أو تحولات في مواقف بعض الدول الأوروبية من النزاع، مضيفًا أنه في هذا الإطار لا يجب النظر إلى الحادثة كخرق فني فقط، بل كأداة سياسية ضمن أدوات الضغط التي تعتمدها روسيا.

أخبار ذات علاقة

مناورات عسكرية

مناورات "زاباد-2025".. هل الجناح الشرقي للناتو على حافة الهاوية؟

يأس غربي من القدرات الروسية

ومن جانبه، قال نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، إن الغرب وبعد أن رأى التقدم الروسي على طول الجبهة والتسارع الواضح فيه، بالإضافة إلى الضربات الروسية التي استهدفت مراكز الطاقة الأوكرانية ومنشآت التصنيع العسكري والمنشآت ذات الاستخدام المزدوج، أصيب بحالة من اليأس من قدرة أوكرانيا على التصدي لهذا التقدم، رغم كل أشكال الدعم العسكري والمالي الأوروبي.

وأكد بوش في تصريح لـ«إرم نيوز» أن فشل الحشد الأوروبي والدولي لدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا دفع بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبولندا، إلى اتهام موسكو بأنها تستهدف أراضي بولندا، وهي دولة عضو في حلف الناتو. 

وأوضح أن هذا الاتهام يعني، بحسب قوانين "الناتو"، إمكانية تفعيل المادة الرابعة للتشاور، ثم المادة الخامسة، التي تنص على الدخول في حرب مع الدولة المعتدية.

وأشار بوش إلى أن هذه الاتهامات تأتي نتيجة لفشل زيلينسكي في جر الأوروبيين والولايات المتحدة إلى الحرب بشكل مباشر، وبعد أن فشل كذلك في الحصول على دعم ميداني حقيقي، لجأ إلى هذا النوع من التصعيد غير المدعوم بالأدلة. 

وبيّن أن الدول التي وجهت هذه الاتهامات لم تقدم حتى الآن أي دليل يثبت أن الطائرات المسيرة التي وصلت إلى الأراضي البولندية هي طائرات روسية. 

حطام المسيرات 

وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أن كل ما عُرض هو حطام لطائرات مسيرة تحمل حرف «إي» وهو حرف موجود أيضًا في اللغتين البلغارية والصربية، ما ينفي وجود دليل قاطع على أن هذه الطائرات روسية المنشأ.

وأوضح بوش أن وزارة الدفاع الروسية أشارت إلى أن مدى الطيران الأقصى للطائرات المسيّرة الروسية لا يتجاوز 700 كيلومتر، وهو مدى لا يسمح لها بالوصول إلى بولندا، وذلك كما أكدت الوزارة استعدادها الكامل للتعاون مع الجانب البولندي من أجل التحقيق المشترك والوصول إلى حقيقة ما جرى. 

ولفت إلى أن بعض الدول الأوروبية تسعى، في ظل فشلها في تحقيق اختراق عسكري أو سياسي، إلى «صب الزيت على النار»، من خلال محاولات توريط دول أوروبية أخرى في حرب مباشرة مع روسيا، أو على الأقل الضغط باتجاه حشد مالي وعسكري جديد لدعم أوكرانيا.

وأضاف أن الاجتماعات التي جرت في باريس ورومانيا فشلت في تحقيق أهدافها، حيث رفضت أغلب الدول الغربية والشرقية الأعضاء في "الناتو" إرسال جنود إلى أوكرانيا، ولم يتبق سوى فرنسا، صاحبة فكرة إرسال القوات، في حين أن بريطانيا لم ترسل أي قوات، وألمانيا لا تملك فائضًا من الجنود لإرسالهم. 

وأوضح أن هذه الدول تدرك تمامًا أن إرسال أي قوات إلى أوكرانيا سيعرّضها للاستهداف من قبل الجيش الروسي، وهو ما حذّر منه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل واضح.

وأشار بوش إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم توافق على إرسال أي قوات، كما أن الرئيس دونالد ترامب أوقف المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، لكنه في المقابل يواصل بيع الأسلحة للدول الأوروبية ويحقق أرباحًا من ذلك. 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC