في خطوة اعتبرها المعارضون الأوكرانيون "محاولة للهروب من صندوق الاقتراع"، قدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مشروعي قانونين للبرلمان لتمديد العمل بالأحكام العرفية والتعبئة العامة في البلاد لمدة 90 يوماً إضافية.
ويعني هذا التمديد إغلاق الباب فعليًّا أمام إجراء أي انتخابات رئاسية في المدى المنظور.
مشروعا القانونين اللذان حملا الرقمين 13172 و13173 ونُشرا رسميًّا على موقع البرلمان الأوكراني، يقضيان بتمديد حالة الطوارئ حتى السادس من أغسطس آب 2025، أي للمرة الخامسة عشرة على التوالي منذ اندلاع الحرب مع روسيا في فبراير شباط 2022.
وبتمديد الأحكام العرفية، التي تمنح الحكومة سلطات استثنائية وتفرض قيودًا واسعة على حقوق المواطنين، يصبح تنظيم الانتخابات أمرًا مستحيلاً من الناحية الدستورية، خاصة أن الأحكام العرفية تحظر التجمعات السياسية وتُجمّد الكثير من الأنشطة الديمقراطية، بما في ذلك الحملات الانتخابية.
ودافع زيلينسكي عن قراره قائلاً: "في زمن الحرب لا يمكن الحديث عن انتخابات، فالمعركة الأساسية الآن هي من أجل البقاء وضمان أمن الدولة، وليس مقاعد الرئاسة أو البرلمان".
وأضاف خلال حديثه في مؤتمر صحفي في كييف، أن "الشعب الأوكراني يستحق أن يصوت في أجواء آمنة، وليس تحت وقع الصواريخ الروسية أو في ظل القصف والاحتلال، وعندما تنتهي الحرب، سنعود فوراً إلى المسار الديمقراطي الطبيعي".
من جهتها سارعت المعارضة الأوكرانية إلى الطعن في جدوى هذا التمديد، معتبرة أن استمرار زيلينسكي في المنصب دون انتخابات يمثل تهديدًا خطيرًا لديمقراطية البلاد.
وقال رئيس البرلمان الأسبق، النائب المستقل دميترو رازومكوف، في تصريح لوسائل الإعلام المحلية، إنه من غير المقبول استخدام الحرب ذريعة لتأجيل الاستحقاقات الدستورية.
وأضاف: "لا يمكن إنكار صعوبة الوضع، لكن القوانين لا تعطل إلى الأبد، والشعب يستحق فرصة لاختيار قيادته حتى في أوقات الأزمات".
الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي، أكد أن الموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية يركز على عدم شرعية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بعدما انتهت ولايته قبل عام دون تنظيم انتخابات جديدة.
وأوضح القليوبي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الكرملين يعتبر بقاء زيلينسكي في الحكم غير دستوري، بينما يعتمد الجانب الأوكراني على تفسير قانوني مختلف يستند إلى مصادقة البرلمان على تمديد ولايته نظرًا لاستمرار حالة الحرب.
وأشار إلى أن الموقف الأمريكي، خاصة في عهد الرئيس دونالد ترامب، شهد تحولًا واضحًا تجاه زيلينسكي، حيث وصفه ترامب في مناسبة سابقة بـ"الديكتاتور"، مؤكدًا أن نسبة تأييده لا تتجاوز 3%، رغم أن هذه التقديرات تظل محل شك بسبب صعوبة إجراء استطلاعات دقيقة في أجواء الحرب.
وأضاف أستاذ الاقتصاد بالمدرسة العليا للاقتصاد، أن هناك مشاورات غير رسمية داخل الولايات المتحدة حول شخصيات قد تحل محل زيلينسكي، مثل الرئيس السابق بيترو بوروشينكو أو رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، حيث يعتبرهما البعض أكثر مرونة مقارنة بزيلينسكي، الذي يُنظر إليه باعتباره زعيمًا لمعسكر "حزب الحرب".
من جانبه، قال مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، إيفان يواس، إن استمرار الهجمات العسكرية الروسية على المدن الأوكرانية دفع السلطات إلى تمديد الأحكام العرفية مؤخرًا، معتبرًا هذا القرار "إجراءً منطقيًّا" في ظل عدم توقف العمليات العسكرية.
وأوضح يواس، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن تنظيم الانتخابات خلال هذه المرحلة أمر شبه مستحيل، إذ إن العملية الديمقراطية تتطلب بيئة آمنة وفترة زمنية كافية لضمان الشفافية، وهو أمر غير متاح حاليًّا.
وشدد على أن غياب الأمن يمنع مشاركة مراقبين دوليين، مما يهدد نزاهة أي عملية انتخابية، لافتًا إلى أن المعارضة الأوكرانية، رغم اختلافها السياسي مع زيلينسكي، تتفق مع الحكومة على تأجيل الانتخابات حماية لحياة المدنيين.
ورأى مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، أن روسيا تدفع في اتجاه إجراء الانتخابات بهدف خلق انقسام داخلي يضعف الموقف الأوكراني، إلا أن القيادة السياسية في كييف ترى أن وحدة الصف الداخلي ومواصلة الدفاع عن السيادة تتصدر الأولويات.
وفي ختام تصريحاته، حذر يواس من أن استمرار الأحكام العرفية لفترات طويلة قد يثير مخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية في أوكرانيا، غير أن القيادة الأوكرانية تؤكد التزامها بإجراء الانتخابات بمجرد استقرار الوضع الأمني ووقف الهجمات الروسية.
وشدد على أن الشعب الأوكراني يرفض أي تسوية سياسية لا تشمل استعادة كافة الأراضي المحتلة وسكانها.