في خطوة وُصفت بأنها اختراق استراتيجي لسوق دفاعية جديدة، وقّعت كوريا الجنوبية عقدًا مع فيتنام لتصدير 20 مدفع هاوتزر ذاتي الحركة من طراز K9، بقيمة 250 مليون دولار أمريكي، وفق ما أكدته تقارير إخبارية منتصف أغسطس/آب الجاري.
هذه الصفقة تمثل أول اختراق لسلاح كوري من هذا النوع في جنوب شرق آسيا، حيث طالما هيمنت الأسلحة الروسية أو الغربية على السوق، لتفتح الباب أمام سيول لترسيخ نفسها لاعبًا رئيسيًّا في التحديث العسكري طويل الأمد لدول رابطة "آسيان"، وفق صحيفة "آسيا تايمز".
بدأت ملامح الاتفاق في مارس/آذار 2023 مع زيارة وزير الدفاع الفيتنامي الجنرال فان فان جيانج إلى سيول، حيث عاين عرضًا مباشرًا لمدافع K9 وأنظمة كورية أخرى.
منذ ذلك الوقت، كثّفت فيتنام تعاونها الدفاعي مع كوريا، إذ طلبت رسميًّا كلابًا بوليسية عام 2024، وشاركت قواتها في برامج تدريبية على الأصول الكورية، شملت مدرعات K2، وصولًا إلى برنامج عملي في يوليو/تموز 2025.
وتأتي الصفقة لتسدّ فجوة كبيرة في الترسانة الفيتنامية، حيث ما زالت القوات تعتمد على مدافع أمريكية قديمة من حقبة الحرب الكورية وأخرى سوفيتية من حقبة فيتنام دي-20 وهي أنظمة باتت عاجزة أمام تحديات العصر، خاصة مع تصاعد تهديدات الطائرات المسيّرة الصينية.
تستند الصفقة إلى سياسة كورية ممنهجة لتعزيز صادرات السلاح. ففي عهد الرئيس السابق يون سوك يول، استثمرت سيول في توسيع صناعتها العسكرية بهدف أن تصبح بين أكبر أربعة موردي أسلحة عالميًّا بحلول 2027.
وبحسب تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI) في مارس/آذار 2025، احتلت كوريا الجنوبية المركز العاشر عالميًّا بصادرات بلغت 37.2% من حجم صادرات الصين.
ورغم تراجع المبيعات منذ 2022؛ بسبب اضطرابات سياسية وتأجيل صفقات شرق أوسطية، فإن الرئيس المنتخب حديثًا لي جاي ميونج أعاد تصدير الدفاع إلى صميم خطته الخمسية، وجاء إعلان صفقة K9 مع فيتنام ليؤكد ذلك.
رغم أن عدد المدافع محدود (20 فقط)، إلا أن الخبراء يرونه شراءً تجريبيًّا، تمهيدًا لصفقات أكبر مستقبلًا.
فالمدى العملياتي لفيتنام – بحدودها الطويلة مع الصين وكمبوديا ولاوس وسواحلها على بحر الصين الجنوبي – يتطلب مئات القطع لتغطية الاحتياجات الدفاعية؛ وبالتالي، الصفقة قد تكون اختبارًا للأداء والتدريب، مع احتمال عقد صفقات متابعة إذا أثبتت المدافع كفاءتها في الخدمة.
وأظهرت الحرب الروسية-الأوكرانية أن المدفعية ما زالت "ملك المعركة"، رغم بروز المسيّرات والذخائر الذكية.
ومن هنا، تلبي K9 احتياجات فيتنام بمدى يتجاوز 40 كيلومترًا، سرعة إطلاق عالية، نظام تحكم آلي، ودرع يوفر حماية أفضل ضد النيران المعادية والطائرات بدون طيار.
الأهم أن K9 توحّد عيار المدفعية فيتناميًّا عند 155 ملم، بدلًا من خليط الذخائر القديم (105، 122، 152)، وهو ما يُبسط اللوجستيات ويضمن استدامة الإمدادات.
تمثل الصفقة أكثر من مجرد توريد سلاح، فهي خطوة لدمج كوريا الجنوبية في مسار التحديث الدفاعي الآسيوي، وجاءت سياسيًّا عقب زيارة الرئيس الفيتنامي تو لام إلى سيول، حيث اتُّفق على رفع التجارة الثنائية إلى 150 مليار دولار بحلول 2030.
أما عسكريًّا، يُتوقع أن يفتح نجاح تجربة K9 الباب أمام دول مثل تايلاند وإندونيسيا والفلبين لاعتماد السلاح الكوري، خاصة مع تراجع الثقة بالمعدات الروسية بعد حرب أوكرانيا.
كما أن كوريا الجنوبية قد تستغل هذه الصفقات لإنشاء مراكز صيانة إقليمية (MRO)، ما يعزز ربط شركائها صناعيًّا ويجعلهم أكثر اعتمادًا على "K-Defense".
بذلك، تُعد صفقة K9 مع فيتنام أكثر من عقد توريد؛ إنها حجر أساس يكرّس كوريا الجنوبية لاعبًا دفاعيًّا موثوقًا في جنوب شرق آسيا.
ففي وقت تعيد فيه "آسيان" التفكير في عقيدتها الدفاعية، تتقدم سيول بخيارات عملية تجمع بين التكنولوجيا المتطورة، الأسعار التنافسية، والتوافق السياسي.
وبينما توسع كوريا الجنوبية نطاقها من أوروبا (عبر بولندا) إلى آسيا، فإن اختراقها الجديد في فيتنام يفتح فصلًا جديدًا في سباق النفوذ العسكري الإقليمي.