logo
العالم

"إفراغ المخازن".. أوروبا تعتمد آلية جديدة لدعم كييف وواشنطن تجني الثمار

"إفراغ المخازن".. أوروبا تعتمد آلية جديدة لدعم كييف وواشنطن تجني الثمار
جندي أوكراني يطلق صاروخ من نوع جافلينالمصدر: AP
29 يوليو 2025، 9:04 ص

بخطوات متسارعة وغير معتادة في نمط الإمدادات العسكرية، بدأت دول الاتحاد الأوروبي تنفيذ آلية جديدة لتسليح أوكرانيا تقوم على تفريغ مستودعاتها من الأسلحة والذخائر الموجودة، مقابل التوجه لاحقًا إلى شراء أسلحة أمريكية حديثة، على رأسها أنظمة الدفاع الجوي "باتريوت".

أخبار ذات علاقة

منظومة الدفاع الأمريكية "باتريوت"

"الباتريوت" تصل أوكرانيا.. هل يُعيد البيت الأبيض رسم خط النار الأوروبي؟

 الآلية الجديدة، التي طُرحت ضمن ترتيبات تنسيقية مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تستند إلى مبدأ واضح، أن تقدم أوروبا ما تبقى لديها من عتاد، فيما تتولى واشنطن توفير السلاح البديل، على أن تتحمل الدول الأوروبية التكلفة الكاملة لتلك المشتريات، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

وتعد منظومة باتريوت حجر الأساس في هذه الخطة، حيث أعلنت ألمانيا استعدادها لتمويل بطاريتين إضافيتين، وسط محادثات أوروبية موسعة لتخصيص موارد جديدة لتسليح كييف.

في السياق نفسه، اقترحت النرويج المشاركة في تمويل أنظمة الدفاع الجوي، بينما أكد ترامب أن بلاده ستظل المورد الرئيسي للسلاح في هذه الحرب، شرط أن يتحمل حلفاؤها في الناتو "الفاتورة".

التحرك الأوروبي يبدو في ظاهره تضامنًا عسكريًا، لكنه في جوهره يعكس تحولًا عميقًا في بنية العلاقة الدفاعية مع الولايات المتحدة، ويطرح علامات استفهام حول مدى قدرة أوروبا على الاحتفاظ باستقلالية قرارها الأمني في ظل التوسع المتزايد لنفوذ الصناعات العسكرية الأمريكية داخل أراضيها.

وتعكس الآلية الأوروبية الجديدة لتسليح أوكرانيا تحولًا في علاقة أوروبا بالولايات المتحدة، من شراكة استراتيجية إلى شكل من أشكال الارتهان الصناعي والعسكري.

صفقة كبرى

المحلل السياسي الخبير في الشؤون الأوروبية، كارزان حميد، أكد أن الحرب الروسية – الأوكرانية، رغم مأساويتها، تمثل من زاوية أخرى "أكبر صفقة تجارية واقتصادية" للولايات المتحدة وأوروبا، إذ أنعشت قطاعات متعددة في آنٍ واحد، أبرزها الصناعات العسكرية والاقتصاد، فضلًا عن تحريك ملفات الهجرة واللاجئين.

وأشار حميد في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن "الخاسر الأكبر" من هذه الحرب هي أوكرانيا، تليها الدول الأوروبية ثم روسيا، نتيجة الآثار السلبية المتراكمة للاقتصاد الحربي، لافتًا إلى أن موسكو لن تُدرك الحجم الكامل لخسائرها إلا بعد انتهاء الصراع.

وأوضح أن وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن، صرح في ديسمبر الماضي بأن نحو 100 مليار دولار أُنفقت لدعم الدفاعات الأوكرانية، مؤكدًا أن "معظمها أُنفق داخل الولايات المتحدة، في قواعدنا الصناعية الدفاعية"؛ ما يعكس ربحية الحرب بالنسبة لواشنطن، ويُظهر عدم وجود نية حقيقية لإنهاء الصراع المستمر منذ العام 2022.

وأضاف أن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطًا مباشرة على أوروبا لتحمل كلفة الحرب، في إطار استراتيجية تهدف إلى استنزاف مخزون الأسلحة الأوروبية، ودفعها نحو الاعتماد الكامل على أنظمة التسلح الأميركية، بما يُكرّس النفوذ الأمريكي ويحول دون أي استقلالية استراتيجية للقارة.

وأشار المحلل السياسي إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يكن مستعدًا لهذا النوع من الحروب، بخلاف روسيا التي بدأت الاستعداد مبكرًا منذ العام 2014. 

أخبار ذات علاقة

الدبلوماسي الأمريكي السابق، بيتر همفري

دبلوماسي أمريكي لـ"إرم نيوز": ترامب "لدغ" أوروبا ولا خيار أمامه سوى دعم أوكرانيا

 واعتبر أن الأوروبيين سلموا زمام المعركة لواشنطن دون فهم كافٍ لطبيعة قراراتها؛ ما جعلهم يتوقعون هزيمة روسية سريعة، ليفاجؤوا لاحقًا بعكس ذلك، وليحاولوا اليوم دفع الولايات المتحدة لمواصلة دعم كييف عسكريًا.

وتابع قائلًا: "عندما طلب الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي دبابات أبرامز الأمريكية، حصل بدلًا من ذلك على دبابات ليوبارد الألمانية القديمة، وبعض النسخ الأوروبية القديمة من أبرامز، بينما أرسلت أستراليا مؤخرًا دبابات متقاعدة إلى أوكرانيا".

وأضاف أن كييف أصبحت أشبه بـ"حقل تجارب" لإعادة تدوير الأسلحة الغربية القديمة، بهدف إفراغ المستودعات تمهيدًا لإدخال الجيل الأحدث من السلاح.

أخبار ذات علاقة

آثار هجمات روسية على أوكرانيا

"خنجر في خاصرة أوروبا".. واقع جديد تفرضه موسكو على أوكرانيا

 ولفت حميد إلى أن من أهداف هذه الحرب أيضًا اختبار القدرات العسكرية الروسية، مشيرًا إلى أن بوتين لم يستخدم قوته القصوى سوى مرة واحدة، عندما أطلق صاروخ "أوريشنك" الباليستي دون رؤوس حربية، في خطوة أثارت قلقًا كبيرًا لدى الغرب.

وأكد أن أوروبا باتت غارقة في ما وصفه بـ"الوحل الأوكراني"، ولم يعد أمامها سوى خيارين: إما الاستمرار في تمويل الحرب حتى مواجهة انفجار داخلي وخضوع تام لواشنطن، أو الانسحاب من الصراع بأقل الخسائر الممكنة وتقديم تنازلات، رغم أنها كانت أحد أسباب تعطيل الحلول سابقًا.

هيمنة أمريكية

من ناحيته، قال أستاذ الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، الدكتور رامي القليوبي، إن الولايات المتحدة نجحت خلال السنوات الأخيرة في فرض إرادتها على أوروبا في ملفات استراتيجية عدة، أبرزها الملف الأوكراني، حيث استطاعت تحويل الصراع إلى أداة للهيمنة وإعادة ضبط التموضع السياسي والاقتصادي داخل أوروبا.

وأضاف في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبنى نهجًا أكثر صراحة في التعامل مع الحلفاء الأوروبيين، من خلال التأكيد مرارًا على أن الدعم العسكري لن يكون مجانيًا بعد الآن، وأن على الدول الأوروبية أن تتحمل العبء المالي الكامل لتسليح أوكرانيا، وهو ما بدأ بالفعل في الظهور عبر تقليص المساعدات الأمريكية وتوجيه الرسائل للداخل الأميركي حول "العدالة في توزيع الفاتورة".

أخبار ذات علاقة

قوات روسية في أوكرانيا

قبل انقضاء مهلة ترامب.. تسارع روسي لـ"قضم" ما أمكن من أوكرانيا

 وأوضح أن هذا الضغط الأمريكي يُقابَل بقلق متزايد داخل العواصم الأوروبية، خاصة مع غياب إنجازات ميدانية واضحة في أوكرانيا وتزايد الاستنزاف المالي؛ ما يدفع النخب السياسية الأوروبية إلى التساؤل عن جدوى الاستمرار في دعم كييف، في وقت تحتاج فيه أوروبا لتلك الموارد داخليًا في ملفات الدفاع والطاقة والتنمية الاجتماعية.

وحذر القليوبي من أن هذا التململ السياسي قد يؤدي في المدى المتوسط إلى تغييرات كبيرة في المشهد الأوروبي، إذا صعدت قوى اليمين أو اليسار المتطرف إلى السلطة، مشيرًا إلى أن هذا التحول سيشكل تهديدًا مباشرًا للأجندة الغربية الحالية تجاه روسيا، وقد يفضي إلى انقسامات حادة داخل حلف الناتو نفسه.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC