logo
العالم

"خنجر في خاصرة أوروبا".. واقع جديد تفرضه موسكو على أوكرانيا

"خنجر في خاصرة أوروبا".. واقع جديد تفرضه موسكو على أوكرانيا
آثار هجمات روسية على أوكرانياالمصدر: (أ ف ب)
25 يوليو 2025، 6:40 م

رأى خبراء استراتيجيون أن  روسيا باتت لا تخوض صراعًا حدوديًا بالمعنى التقليدي، بل تسعى إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والاقتصادية لأوروبا من خلال شلّ البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا وإضعاف اقتصادها بشكل ممنهج.

وأشاروا إلى أن روسيا تراهن على تغيّرات موازين القوى عالميًا، وعلى تحالفاتها في مجموعة "بريكس"، لفرض واقع جديد يجعل من أوكرانيا "خنجرًا دائمًا في خاصرة أوروبا"، على حد قولهم.

وبدت الحرب الروسية الأوكرانية في يوليو 2025 وكأنها دخلت مرحلة جديدة، تجاوزت ساحات القتال التقليدية واتجهت نحو ضرب البنية التحتية الحيوية ومحاولة تقويض قدرة كييف على الصمود، عبر استهداف دقيق لمرافق التصنيع العسكري، ومحطات التموين، والمطارات الاستراتيجية

استهدافات روسية واسعة

ففي يومي 11 و12 يوليو، نفذت روسيا غارات واسعة النطاق باستخدام صواريخ دقيقة وبعيدة المدى، استهدفت منشآت صناعية عسكرية في مدن لفوف وخاركيف ولوتسك، إلى جانب استهداف بنية تحتية لمطار عسكري غير معلن، مما أدى إلى تراجع قدرة القوات الأوكرانية على صيانة معداتها الجوية.

وفي 20 يوليو، وجّهت موسكو ضربات مركّزة إلى مستودعات ذخيرة ومحطات طاقة في ميكولايف جنوبي البلاد، وهو ما أدى إلى تعطيل طرق الإمداد إلى جبهتي دونيتسك وزابوروجيا، بينما تضررت شبكة السكك الحديدية قرب بوكروفسك، مما شكّل ضربة قاصمة لقدرة أوكرانيا على نقل التعزيزات نحو الشرق.

الهجوم الأعنف منذ بداية الحرب

لكن التصعيد بلغ ذروته في 21 يوليو، حين شنت روسيا ما اعتُبر الهجوم الأعنف منذ بداية الحرب، إذ أطلقت 426 طائرة مسيّرة و24 صاروخًا في ضربة واحدة، استهدفت مطارات ومحطات رادار عسكرية.

ورغم نجاح الدفاعات الأوكرانية في إسقاط أكثر من نصف هذه المسيّرات، إلا أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية كانت فادحة، وأدت إلى تعطل إقلاع الطائرات وتضرر مراكز تنسيق الدفاع الجوي في كييف وخاركيف.

ومع تكرار الضربات وتزايد حدتها، بدأت آثارها تتراكم ميدانيًا، حيث أبلغت خمسة ألوية قتالية في جبهتي دونيتسك وزابوروجيا عن نقص حاد في الذخائر والدبابات، في وقت أدى فيه تدمير البنية التحتية حول كوستانتينيفكا إلى إبطاء تحركات القوات، ما أتاح للقوات الروسية تحقيق تقدم ملحوظ في محور بوكروفسك.

وسط هذا المشهد المتصاعد، يطرح المراقبون تساؤلات جوهرية: هل تسير موسكو نحو شلّ العمود الفقري العسكري لأوكرانيا دون الحاجة إلى احتلال شامل؟ وهل يمكن أن تنجح في فرض رؤيتها الجيوسياسية عبر هذا النهج المنهجي طويل الأمد؟

إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية

يرى خبراء استراتيجيون أن روسيا لا تخوض صراعًا حدوديًا بالمعنى التقليدي، بل تسعى إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والاقتصادية لأوروبا من خلال شلّ البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا وإضعاف اقتصادها بشكل ممنهج.

وفي تصريحات لـ"إرم نيوز"، أكد الخبراء أن موسكو تتجاوز الأهداف الميدانية المباشرة، وتركز على تفريغ أوكرانيا من عناصر قوتها، ومنعها من الانخراط الكامل في المنظومة الغربية، خاصة تلك المرتبطة بـ"النادي الأوروبي" الأمني والسياسي.

وأوضحوا أن الاستراتيجية الروسية تعتمد على حرب استنزاف طويلة الأمد، تُبقي أوكرانيا في حالة عجز دائم، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، مع سعي متواصل للحفاظ على نفوذ داخلي عبر قوى موالية لموسكو.

وأشار الخبراء إلى أن روسيا تراهن على تغيّرات موازين القوى عالميًا، وعلى تحالفاتها في مجموعة "بريكس"، لفرض واقع جديد يجعل من أوكرانيا "خنجرًا دائمًا في خاصرة أوروبا"، لا دولة مستقلة ذات قرار سيادي حر.

أهداف مركبة: من الجغرافيا إلى الاقتصاد

بداية، شدد إبراهيم كابان، مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، على أن العملية العسكرية الروسية لا تقتصر على تحقيق أهداف ميدانية، بل تهدف أساسًا إلى شلّ الاقتصاد الأوكراني، بالنظر إلى أهمية موقعها الجغرافي والاقتصادي، سواء لجهة الحدود مع الاتحاد الأوروبي، أو بوصفها منفذًا استراتيجيًا على البحر الأسود.

وأشار كابان، في تصريحاته لـ"إرم نيوز"، إلى أن أوكرانيا لطالما كانت تُعتبر "منطقة نفوذ روسية"، منذ العهد السوفيتي، وكانت تُوصف بأنها "لقمة سائغة" في يد موسكو.

وأضاف أن الذهنية القومية الروسية الحالية لا تزال تنظر إلى أوكرانيا كجزء من "روسيا التاريخية"، مستندة إلى وجود أقليات روسية تُستخدم كأداة دعم سياسي وعسكري.

موسكو والنادي الأوروبي

وأوضح كابان أن موسكو تسعى حاليًا لإبقاء أوكرانيا دولة ضعيفة ومحاصرة، بعيدة عن المنظومة الأوروبية العسكرية والسياسية، بحيث تعاني من تبعية اقتصادية دائمة، ومن اختلالات داخلية مزمنة تجعلها غير قادرة على بناء تحالف استراتيجي فعّال مع الغرب.

وأضاف أن روسيا لن تتراجع عن استراتيجيتها، تمامًا كما أن أوروبا لن تتراجع عن دعمها المستمر لكييف، مما يعني أن أفق الصراع سيظل مفتوحًا، وربما يتجه إلى تصعيد أكبر في حال عدم التوصل إلى تسوية سياسية في الأجل القريب.

فرص التسوية

من جانبه، رأى ميرزاد حاجم، المحاضر الجامعي والباحث في مركز البحوث العلمية التطبيقية والاستشارية، أن روسيا كانت قادرة على "حسم الأزمة خلال أيام"، لكنها اختارت منح فرص متكررة للتسوية السلمية، بداية من اتفاقات "مينسك 1" و"مينسك 2"، مرورًا بمحادثات باريس وإسطنبول، في إطار ما وصفه بـ"السعي المستمر لحلول عقلانية".

وأضاف حاجم في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن موسكو دخلت في "مرحلة دفاع استباقي"، إذ حاصرت كييف ثم انسحبت، على أمل وجود رغبة حقيقية لدى الجانب الأوكراني لتحقيق السلام. لكنه أوضح أن كييف كانت، في المقابل، تستعد لتسليح واسع بدعم غربي استعدادًا لمواجهة مباشرة مع روسيا.

وأشار حاجم إلى أن موسكو كانت واعية لما وصفه بـ"المخططات الكبرى" لتقويض استقرارها الداخلي، وأن الحرب الحالية جزء من محاولة شاملة لإضعاف روسيا، ليس فقط عسكريًا، بل سياسيًا واقتصاديًا أيضًا.

دور الصين و"بريكس"

وأكد حاجم أن الصين أظهرت دعمًا واضحًا لموسكو، في سياق النظام الدولي المتعدد الأقطاب، مشيرًا إلى أن بكين شددت في أكثر من مناسبة على أنها "لن تسمح بخسارة روسيا".

وأضاف أن الضربات الأخيرة التي استهدفت إيران أسهمت في إرباك موازين القوى الدولية، مما زاد من أهمية التحالف الروسي–الصيني، خصوصًا ضمن إطار مجموعة "بريكس"، التي تزداد قوة وتأثيرًا في الشؤون الدولية.

أخبار ذات علاقة

معارك طاحنة.. روسيا تهاجم باكروفسك من 3 محاور وتقتحم قلب دونيتسك

معارك طاحنة.. روسيا تهاجم باكروفسك من 3 محاور وتقتحم قلب دونيتسك (فيديو إرم)

روسيا "أقوى" من السابق

وشدد حاجم على أن روسيا اليوم أقوى من السابق، من حيث تحالفاتها وموقعها الجيوسياسي وعلاقاتها الدولية، مؤكدًا أنها لم تتكبد خسائر استراتيجية كبرى كما هو حال أوكرانيا، التي أصبحت تعتمد بشكل شبه كلي على الدعم الغربي.

وفي ختام حديثه، أكد حاجم أن روسيا قادرة على إنهاء الأزمة متى قررت، متسائلًا: "هل ستكون هناك نية حقيقية للسلام من الجانب الأوكراني؟ وهل سيبادر الشعب أو النظام في كييف إلى مدّ يد السلام إلى موسكو؟ أم أن الحرب تتجه إلى طورٍ جديد أكثر حدة وتعقيدًا؟"

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC