ذكر باحثون فرنسيون أن أوروبا تستعد لاستخدام خيار العقوبات التلقائية "السناب باك" كـ"بطاقة أخيرة" دبلوماسية لإعادة فرض العقوبات على إيران إذا فشلت المفاوضات النووية.
في ظل الجمود الحالي للمفاوضات النووية مع إيران، سارعت باريس وبرلين ولندن، لتهديد مشترك مفاده: إعادة تفعيل العقوبات الأممية عبر آلية "السناب باك" في حال فشل التقدم الدبلوماسي قريبًا.
وتأتي هذه التهديدات في وقت تشهد فيه المنطقة أجواء من التوتر بعد الضربات الإسرائيلية والأمريكية على مواقع نووية إيرانية في يونيو، وهو ما أدى لتجميد المفاوضات الهشة فعلاً. ومع ذلك، من المقرر أن تُستأنف المحادثات في إسطنبول يوم الجمعة.
وقال فرِديريك أنسيل، أستاذ العلوم السياسية الفرنسي في مدرسة الدراسات العليا في باريس، لـ"إرم نيوز"، إن أوروبا بدأت تتخذ موقفًا صارمًا يمثل "أقصى ما يمكن قبوله" من إيران، كجزء من استراتيجية حماية مصالحها النووية.
وأضاف أنسيل أن التحوّل في لهجة فرنسا وبريطانيا وألمانيا لا يعكس فقط استياءً دبلوماسيًا، بل هو نتيجة تراكمات استراتيجية على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، خصوصًا مع تصاعد الأنشطة الإيرانية خارج الحدود، سواء في سوريا أو لبنان أو البحر الأحمر.
وأشار إلى أن استمرار "ضبط النفس الأوروبي" سيُفسر في طهران كضعف، مما يفتح الباب لمزيد من التصلب الإيراني.
وأكد الباحث الفرنسي أن التلويح بـ"السناب باك" ليس مجرد رسالة لطهران، بل هو أيضًا تحذير لبكين وموسكو بأن أوروبا لن تبقى رهينة لشلل مجلس الأمن؛ فالقرار الأوروبي اليوم هو اختبار حقيقي لقدرة الاتحاد الأوروبي على التصرف ككتلة جيوسياسية موحدة في أزمات حيوية.
بدوره، قال بنجامان أوتوكوفيرت، الباحث بمعهد الأبحاث الاستراتيجية في باريس، لـ"إرم نيوز"، إن العجز الأوروبي في الضغط على إيران دفع إلى استخدام آلية "السناب باك" كـ"ورقة ضغط نهائية" لحماية الاتفاق وما تبقى من صلاحيته.
وتابع أوتوكوفيرت أن السنوات الأخيرة شهدت فقدانًا تدريجيًا لمكانة أوروبا على طاولة الملف النووي، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، وتردد الأوروبيين في فرض عقوبات صارمة بعدها، ومع تكرار الخروقات الإيرانية، بات التهديد بالعقوبات ضرورة للحفاظ على ما تبقى من الردع.
وأوضح أن "السناب باك" يعد من الناحية القانونية آلية لا رجعة فيها بمجرد تفعيلها، ما يعني أن على أوروبا أن تستخدمها بحذر شديد، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع التراجع أكثر. "إن الرهان هنا ليس فقط على ردع طهران، بل أيضًا على إعادة تأهيل الدور الأوروبي في الملف النووي كلاعب مستقل وقادر".
من جهته، شدد بيير رازو، مدير البحوث الاستراتيجية في معهد IRSEM بباريس، لـ"إرم نيوز"، على أهمية تنسيق مواقف الترويكا الأوروبية، لتجنب تهم ضعف النفوذ الإقليمي أمام الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
وأشار رازو إلى أن الانقسامات الأوروبية حول سياسة الشرق الأوسط تضعف أي قدرة على فرض أدوات ردع فعالة، ولهذا فإن التحرك الثلاثي الفرنسي–الألماني–البريطاني لا يجب أن يُفهم كموقف تكتيكي مؤقت، بل كبداية لتشكيل موقف أوروبي موحد في القضايا الأمنية الحساسة.
وأضاف أن نجاح آلية "السناب باك" لن يُقاس فقط بإعادة فرض العقوبات، بل بما إذا كانت ستدفع إيران فعلاً إلى طاولة المفاوضات. وفي حال الفشل، سيكون على أوروبا التفكير في أدوات أخرى، كالعقوبات الفردية، أو حتى التنسيق مع قوى إقليمية لتشكيل ضغط مشترك دون الارتهان للموقف الأمريكي.
يعود أصل هذه الآلية إلى الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 (JCPOA)، وقد أُدرجت ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2231. إذا ارتكبت إيران خرقًا كبيرًا، يمكن لأي دولة مشاركة في الاتفاق (كفرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا) إرسال طلب رسمي لمجلس الأمن لإعادة العقوبات. يبدأ حينها عدّ تنازلي من 30 يومًا، وفي حال لم يصوت المجلس على استمرار رفع العقوبات، تُعاد تلقائيًا، دون أن تتمكن روسيا أو الصين من ممارسة حق النقض (الفيتو).
تمثل الآلية خطرًا كبيرًا على الاقتصاد الإيراني؛ إذ تعيد فرض حظر دولي شامل على الأسلحة، وتقيّد نقل المعدات النووية، بالإضافة إلى قيود مصرفية وتأمينية شديدة. كما أشار وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو: "إذا رفضت إيران العودة إلى مفاوضات بنطاق ضابط ودائم، فإن أوروبا تستطيع بخطاب واحد فرض العقوبات المنهية منذ عشر سنوات".
وبالنسبة لأوروبا، يُعد "السناب باك" خيارًا دبلوماسيًا أخيرًا قبل انقضاء صلاحية الاتفاق في أكتوبر المقبل.
رغم التهديد الأوروبي، لا تزال العواصم الثلاث تأمل في إنقاذ الاتفاق دون اللجوء إلى استخدام الآلية، وأكدت السير في مفاوضات "فورية" وشاملة.
لكن طهران ردت باستنكار القرار، واعتبرت أن الأوروبيين فقدوا الشرعية لتفعيل الآلية بسبب دعمهم لإسرائيل والولايات المتحدة، حسبما كتب وزير الخارجية عباس عراقجي على منصة "إكس".
كما نفت أن يكون برنامجها النووي له دوافع عسكرية، رغم تحذيرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، ما يقربها من عتبة 90% المطلوبة لإنتاج أسلحة نووية.