في خضم حربه التجارية المفتوحة مع العالم، تلقّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضربة قضائية موجعة من قلب بلاده. فقد قضت محكمة استئناف فدرالية، يوم الجمعة، بأن الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها بشكل أحادي على معظم الدول غير قانونية، معتبرة أن فرض الرسوم الجمركية هو من صلاحيات الكونغرس حصراً.
وقالت الخبيرة الاقتصادية الفرنسية المتخصصة في التجارة الدولية وعضو المجلس التحليلي للاقتصاد في فرنسا إيزابل ميجيان لـ"إرم نيوز" إن حكم محكمة الاستئناف أشار إلى أن الزيادة الجمركية الشاملة والمطبقة على جميع المنتجات المستوردة من دون تحديد تقع خارج صلاحيات الرئيس، التي تنص عليها القوانين الفدرالية، وأنه بذلك "تجاوز صلاحياته التشريعية".
وأكدت ميجيان أن مثل هذه القرارات يجب أن تصدر عن الكونغرس وليس الإدارة التنفيذية، لتعكس نظامًا ديمقراطيًا متوازنًا في توزيع السلطات.
ورأت ميجيان أن قرار الاستئناف يكشف عيوبًا عميقة في منهجية إدارة ترامب، حيث يوجد خلط واضح بين السلطة التنفيذية والتشريعية، بالإضافة إلى تأثيراته المحتملة على العلاقات التجارية الدولية. القرار القضائي يعيد التأكيد على أهمية الفصل بين السلطات، وحماية السوق العالمية من قرارات حمائية مفاجئة.
واعتبرت الخبيرة الاقتصادية الفرنسية أن سياسة ترامب الجمركية تستهدف بشكل رئيس حلفاء الولايات المتحدة، ما قد يعرّض العلاقات الاقتصادية والسياسية لطرفيات خطيرة.
وأشارت الباحثة الفرنسية إلى أن إقدام الإدارة الأمريكية على تكبيد الحلفاء خسائر تجارية هو أيضًا تهديد للعلاقات الإستراتيجية الدولية التي كانت الولايات المتحدة تعتز بها.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن "القرار، الذي جاء في 127 صفحة وبأغلبية 7 قضاة مقابل 4، يؤكد حكماً سابقاً أصدرته محكمة التجارة الدولية في الصيف، غير أنه لن يدخل حيز التنفيذ قبل 14 أكتوبر، ما يمنح إدارة ترامب مهلة للتوجه إلى المحكمة العليا أملاً في إبطاله".
وسارع ترامب إلى الرد عبر منصته "تروث سوشال" قائلاً: "كل الرسوم الجمركية لا تزال سارية! وإذا تم تثبيت هذا الحكم، فإنه سيدمّر الولايات المتحدة حرفياً".
ويعتزم ترامب، الذي عزز الأغلبية المحافظة داخل المحكمة العليا، اللجوء إليها للفصل في القضية نهائياً، مؤكداً أنه سيستخدم هذه الرسوم "في خدمة البلاد" إذا أُجيزت.
وبحسب نص الحكم، فإن القانون يمنح الرئيس سلطات واسعة في حالات الطوارئ الوطنية، لكن هذه السلطات لا تشمل فرض ضرائب جمركية شاملة وغير محدودة المدة، والتي تبقى من اختصاص الكونغرس حصراً.
من جانبها، قالت إذاعة "20 مينيت" الفرنسية إنه بعدما تفاخرت الإدارة الأمريكية بأن هذه الرسوم وفرت عشرات المليارات من الدولارات كعوائد إضافية، فقد استخدمتها ورقة ضغط دفعت شركاء تجاريين، مثل الاتحاد الأوروبي، إلى فتح أسواقهم أمام المنتجات الأمريكية بدلاً من الرد بالمثل.
لكن وزارتي التجارة والمالية الأمريكيتين حذّرتا المحكمة من أن إلغاء هذه الرسوم سيضعف الموقف الإستراتيجي لواشنطن، وسيؤدي إلى ردود انتقامية وإلغاء اتفاقيات تجارية قائمة، فضلاً عن إظهار الولايات المتحدة بمظهر "الضعيف والمتراجع" دبلوماسياً، وفقاً للإذاعة الفرنسية.
على الجانب الآخر، اعتبر حاكم كاليفورنيا الديمقراطي جافين نيوسوم أن القرار يثبت أن "ترامب هو أكبر خاسر في تاريخ الولايات المتحدة"، منتقداً السياسات الاقتصادية التي حمل الشعب الأمريكي تكلفتها.
وعلى الصعيد القانوني، قالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إن مصير الرسوم الجمركية بات مرهوناً بالمحكمة العليا ذات الأغلبية المحافظة، ما قد يمنح ترامب فرصة لقلب الطاولة من جديد".
أما على الصعيد الاقتصادي، فرأت الصحيفة الفرنسية أن أي إلغاء محتمل لهذه الرسوم قد يربك الأسواق، ويفقد الإدارة الأمريكية أداة ضغط رئيسة، بينما يفتح المجال أمام ردود دولية قوية.
وعلى الصعيد السياسي، أشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن القضية تحولت إلى اختبار يحدد مدى قدرة ترامب على استخدام أدوات السلطة التنفيذية كوسيلة للضغط السياسي والانتخابي.