يشهد الصراع ضد الجماعات المسلحة في مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، تحولًا جذريًا، حيث لم تعد الطائرات المسيرة محصورة على القوات النظامية، بل باتت تُستخدم أيضًا من قبل الحركات المسلحة، والجماعات الإرهابية.
ويُعيد هذا التطور رسم ملامح الحرب في المنطقة، ويُعقّد جهود الدول لمكافحة الإرهاب في ظل هشاشة البنية الأمنية.
ووفقًا لتقرير نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية فقد سُجّل في منتصف يوليو الماضي أكثر من 30 هجومًا باستخدام الطائرات المسيّرة منذ سبتمبر/أيلول 2023، معظمها بين مارس/أذار ويونيو/حزيران 2025.
وتستعمل هذه الطائرات في المراقبة، والضربات الجوية، ونشر الدعاية، ما يمثل تحديًا جديدًا للقوات المسلحة في الساحل.
ووفق التقرير فقد اعتمدت جيوش دول تحالف دول الساحل (مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر) على الطائرات المسيّرة لتعويض محدودية الموارد البشرية واللوجستية، ومواجهة خصوم قادرين على المناورة بسرعة، والاندماج بين المدنيين.
وتتيح هذه الطائرات مراقبة مساحات واسعة من الصحراء، وتحديد الأهداف، وتنفيذ ضربات دقيقة دون تعريض الجنود للخطر.
ومنذ 2022، بدأت هذه الدول في اقتناء الطائرات التركية "Bayraktar TB2" و"Akıncı"، لتصبح تركيا المورد الأساس للطائرات المسيّرة العسكرية في المنطقة.
كما يعد هذا النوع من الطائرات التركية فعّالًا جدًا، حيث يعمل لمدة تصل إلى 27 ساعة، ويمكن تجهيزها بأربعة صواريخ موجهة بالليزر، بسعر يتراوح بين 2 و4 ملايين دولار، أي أقل بعشر مرات من طائرات "Reaper" الأمريكية.
وبحسب التقرير، لم تقتصر قدرة الجماعات المسلحة على الدفاع، بل قامت بتعديل طائرات مدنية رخيصة لتصبح مسلحة.
وتستخدم جبهة "تحرير أزواد" طائرات متصلة بألياف بصرية، ما يجعلها مقاومة للتشويش، ويتيح نقل الأوامر والصور بشكل مستمر.
وفي المقابل، اعتمدت جماعات، مثل "JNIM" و"EIGS"، على طائرات صينية تجارية رخيصة، مثل: DJI وPotensic وHoly Stone، معدلة لتصبح قنابل جوية صغيرة.
أثبتت الطائرات المسيرة فاعليتها للقوات النظامية، مثلما حدث خلال استعادة مدينة كيدال في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، واغتيال قادة في تينزواتن في ديسمبر/كانون الأول 2024.
بالمقابل، استخدمت الجماعات المسلحة هذه الطائرات لضرب معسكرات عسكرية ونشر الدعاية، مثل: الهجوم على معسكر بوليكسي في يونيو/حزيران 2025، والهجوم الكارثي على إكنيوان في النيجر.
تعزز الطائرات المسيرة النفوذ التركي في الساحل، وتزيد اعتماد الدول على التكنولوجيا الأجنبية، في ظل تدخلات دولية معقدة تشمل روسيا وأوكرانيا.
كما أن الاستخدام المكثف لهذه الطائرات يرفع من مخاطر وقوع ضحايا مدنيين، حيث وثّقت منظمات حقوقية عدة ضربات أدت إلى سقوط مدنيين، ما يفاقم أبعاد الأزمة الإنسانية في المنطقة.
وخلُص تقرير المجلة الفرنسية إلى القول إن بين التطور التكنولوجي والمخاطر الأمنية، أصبحت الطائرات المسيرة عنصرًا رئيسًا يحدد ملامح الحرب في الساحل، ويعيد رسم خريطة الصراع فيها.