اليونيفل في لبنان: هذا الهجوم من أخطر الهجمات على أفرادنا وممتلكاتها منذ اتفاق نوفمبر
في لحظة مفصلية من التاريخ السياسي البولندي، يتولى المؤرخ المحافظ كارول نافروتسكي منصب رئاسة البلاد، حاملاً معه رؤية قومية واضحة تسعى لإعادة صياغة الهوية البولندية على أسس تقليدية وتاريخية صارمة.
ولا يعد هذا التعيين مجرد انتقال للسلطة، بل يعكس توجهاً أعمق نحو تثبيت خطاب وطني محافظ في قلب مؤسسات الدولة، وسط أجواء من الانقسام السياسي والاستقطاب المجتمعي.
وبينما ترى الحكومة الجديدة في نافروتسكي شخصية قادرة على "استعادة الكرامة الوطنية" من خلال إعادة تأكيد السردية البولندية حول الحرب العالمية الثانية والحقبة الشيوعية، يثير صعوده إلى الرئاسة قلقاً داخل الأوساط الليبرالية والأوروبية التي تعتبر هذا المسار تهديداً لمبادئ التعددية والديمقراطية الليبرالية.
ويعتلي كارول نافروتسكي، المؤرخ القومي المدعوم من حزب "القانون والعدالة" (PiS)، سدة الرئاسة وسط استقطاب سياسي حاد ومشهد إقليمي يتسم بالتوتر والتحديات المتصاعدة.
ويتوقع أن تكون فترة ولايته محفوفة بالتوتر في ظل انقسام سياسي حاد، خاصة مع استمرار حكومة دونالد توسك في الحكم منذ قرابة عامين بدعم من ائتلاف مؤيد للاتحاد الأوروبي، بحسب صحيفة "ويست فرانس" الفرنسية.
وصباح اليوم الأربعاء، أدى الرئيس الجديد اليمين أمام غرفتي البرلمان المجتمعَتين في جلسة استثنائية، قبل أن يلقي خطاب التنصيب الرسمي، بعد فوزه في الانتخابات التي جرت في الأول من يونيو/حزيران الماضي، والتي هزم فيها مرشح الحكومة الليبرالية رافاو تشاسكوفسكي بفارق ضئيل.
وتتضمن المراسم أيضاً قداساً من أجل الوطن والرئيس، إضافة إلى مظاهرات مؤيدة له تنظمها أحزاب اليمين في العاصمة وارسو.
وأعلن نافروتسكي عزمه اتباع نهج سياسي نشط، متعهداً بدفع الحكومة إلى تعديل سياساتها، خصوصاً في مجالي الضرائب والزراعة، عبر مقترحات تشريعية مباشرة بعد توليه المنصب.
الرئيس الجديد سيخلف أندجي دودا، المحافظ الذي أنهى ولايته الثانية، والذي خاض خلافات مستمرة مع حكومة توسك حول مواضيع حساسة مثل سيادة القانون وحق الإجهاض.
وتتيح الصلاحيات الدستورية لرئيس بولندا تأثيراً معتبراً في مجالي السياسة الخارجية والدفاع، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، إضافة إلى امتلاكه حق الفيتو واقتراح مشاريع قوانين، ما يجعله فاعلاً محورياً في المشهد السياسي حتى في ظل وجود أغلبية حكومية في البرلمان.
وترى الباحثة في معهد العلاقات الدولية في باريس، المتخصصة في السياسة البولندية والعلاقات الدولية، دروتا داكوسكا، أن العلاقة بين نافروتسكي وحكومة توسك ستكون مزيجاً من المنافسة والمواجهة، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية بعد عامين.
وقال رئيس الوزراء دونالد توسك: "لا أشك لحظة أنه سيفعل كل شيء لاستفزازنا"، مشيراً إلى أن حكومته لن تسمح له "بتفكيكها سياسياً".
وبينت الباحثة داكوسكا، لـ"إرم نيوز"، أن فترة التعايش بين الرئيس الوطني المحافظ كارول نافروتسكي والحكومة الليبرالية المؤيدة للاتحاد الأوروبي لن تكون سوى مسرحاً للمنافسة والصدام السياسي.
وقالت: "تبدو إمكانية التوافق ضئيلة في ظل وجود ما لا يقل عن عشرة نقاط خلاف عميقة بين الرئاسة والحكومة، وهي تُشير إلى أن الصدام السياسي آتٍ لا محالة" .
وأضافت داكوسكا أن الانتخابات الرئاسية لم تكن مجرد تغيير فردي، بل إعادة ضبط لوجه المشهد السياسي البولندي.
بدورها، حذرت الباحثة في "إنفري"، آمال زيمة، من مخاطر التحول نحو "التعثر السياسي عبر الفيتوات المتكررة"، حيث سيكون بإمكان نافروتسكي استخدام صلاحياته لمنع الإصلاحات الحكومية الجوهرية، خصوصاً تلك المتعلقة بالقانون والقضاء والإصلاحات الاجتماعية.
وتنبه داكوسكا أيضاً من أن هذا التوتر العلمي يحمل انعكاسات خطيرة تتعلق بعلاقة بولندا مع الاتحاد الأوروبي، إذ إن إدارة الخلافات الدستورية عند وصول الرئيس إلى سدة الحكم ستختبر قدرة النظام البرلماني البولندي على التكيف، وقد تؤدي إلى تفكك التحالفات البرلمانية قبل الانتخابات التشريعية المقبلة في عام 2027.
من جهته، لم يخفِ نافروتسكي موقفه العدائي من الحكومة، وكرر في أكثر من مناسبة وصفها بأنها "الأسوأ في تاريخ بولندا الديمقراطية".
وأعرب عن رغبته في لعب دور "الرئيس النشط" الذي يضغط على الحكومة من خلال المبادرات التشريعية.
وفي خطاب مصور نُشر عبر مواقع التواصل، قال إن تنصيبه سيفتح "فصلاً جديداً في تاريخ بولندا العزيزة"، مؤكداً عزمه على إعلاء مصالح البلاد والشعب.
وخلال حملته الانتخابية، أعلن نافروتسكي رفضه نقل أي صلاحيات من السلطات البولندية إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي، كما رفض توقيع معاهدات أوروبية جديدة من شأنها تقليص سيادة بلاده.
كما عبّر عن تحفظه تجاه انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، متهماً كييف بعدم إظهار "الامتنان الكافي" لما قدمته بولندا من دعم.
وكان شعار حملته الانتخابية واضحاً: "بولندا أولاً، البولنديون أولاً"، في رسالة مباشرة إلى مليون لاجئ أوكراني يقيمون في البلاد.
ورغم تصريحاته السابقة، أجرى نافروتسكي مؤخراً مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عبّر فيها الأخير عن "شكره لتلقيه تطمينات باستمرار دعم بولندا لأوكرانيا".
كارول نافروتسكي شخصية سياسية حديثة العهد، لا يملك خبرة كبيرة في السياسة أو العلاقات الدولية، لكنه يُعرف بإعجابه الشديد بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد التقاه لفترة وجيزة في البيت الأبيض قبيل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.