مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في بولندا، والمقررة في 18 مايو/أيار الجاري، والأول من يونيو/حزيران المقبل، أظهرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين مرونة متزايدة تجاه رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الذي يُعد من أبرز حلفاء الاتحاد الأوروبي.
ويشكل فوز توسك المحتمل في هذه الانتخابات نقطة تحول في المشهد السياسي البولندي، ويعزز التيار المؤيد لأوروبا في وقتٍ تتنامى فيه قوى اليمين القومي في عدد من دول الاتحاد.
ووفق تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن فون دير لايين، المعروفة بتحفظها على التدخل العلني في الانتخابات الوطنية للدول الأعضاء، لم تتردد هذه المرة في تقديم دعم ملموس، وإن كان غير مباشر، لتوسك، الذي يسعى للسيطرة على منصب الرئاسة بعد نجاحه في إزاحة حزب "القانون والعدالة" اليميني المتشدد من رئاسة الحكومة أواخر عام 2023.
ويُعد هذا المنصب الرئاسي ذا أهمية بالغة، نظرًا لما يتمتع به من صلاحيات واسعة تشمل حق النقض، ما قد يعطل أي إصلاحات يتطلع توسك لتنفيذها.
وتربط فون دير لايين بتوسك علاقة وثيقة، فكلاهما ينتمي إلى حزب "الشعب الأوروبي" المحافظ، وهو أكبر تكتل سياسي في البرلمان الأوروبي.
كما يُنسب لتوسك الفضل في دعمه القوي لإعادة انتخاب فون دير لاين على رأس المفوضية بعد انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران عام 2024.
ويكتسب دعم بروكسل لتوسك أهمية خاصة في ظل صعود الخطاب القومي في عدد من الدول الأوروبية، مثل المجر وسلوفاكيا وإيطاليا، وربما قريبًا في رومانيا.
كما أن مكانة بولندا الجيوسياسية قد تعاظمت بشكل لافت منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، حيث باتت وارسو أحد أعمدة الناتو في الشرق، وزادت من إنفاقها الدفاعي، وحافظت على اقتصاد نشط ومتماسك.
وفي هذا السياق، سارعت المفوضية الأوروبية في فبراير/شباط عام 2024 إلى الإفراج عن 137 مليار يورو من الأموال المجمدة التي كانت ممنوعة على بولندا بسبب قضايا تتعلق بسيادة القانون، وذلك في بادرة دعم مبكر لتوسك رغم أن برنامجه الإصلاحي لم يُنفذ بعد.
كما أبدت فون دير لايين تساهلًا في ملفات حساسة مثل الهجرة والاتفاق الأخضر الأوروبي، حيث لم تعلّق على إعلان توسك رفضه تنفيذ ميثاق الهجرة الأوروبي خلال مؤتمر صحفي مشترك، بل فضّلت التريث حتى ما بعد الانتخابات.
كما أجّلت المفوضية الأوروبية إعلان أهداف خفض انبعاثات الكربون لعام 2040، وأرجأت اتخاذ قرارات تتعلق بالاستيراد الزراعي من أوكرانيا، وكذلك التصديق على اتفاقية التجارة مع دول الميركوسور، وذلك تجنبًا لإحراج الحكومة البولندية.
وخلص تقرير الصحيفة الفرنسية إلى القول إنه رغم هذا الدعم، يبقى من غير المؤكد إن كان توسك، في حال فوزه، سيتبنى مواقف أكثر اتساقًا مع الخط الأوروبي، فالمشهد السياسي الداخلي في بولندا لا يزال منقسمًا، وقضايا مثل الهجرة والسياسات المناخية والتجارة الزراعية تُشكل تحديات متواصلة في العلاقة بين وارسو وبروكسل.