وسط ضجيج الحرب الأوكرانية، جاءت تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس لتفتح باب جدل واسع حول حقيقة موقف روسيا ومدى تقديمها تنازلات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمته الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا.
وقال نائب الرئيس الأمريكي إن روسيا تناقش للمرة الأولى ما يمكن أن يضع حدًا للحرب التي اندلعت منذ فبراير/شباط 2022، مؤكدًا أن ترامب يسعى إلى اعتماد دبلوماسية نشطة تجمع الطرفين حول طاولة واحدة.
ووفقًا للمراقبين، تعتبر هذه التصريحات بمثابة "اختراق دبلوماسي" يعيد الأمل في تسوية طال انتظارها، لكن خلف السطور تكمن أسئلة حول طبيعة التنازلات وما إذا كانت تعكس تحوّلًا استراتيجيًا من قبل موسكو.
وكشف دبلوماسي روسي لـ"إرم نيوز" ملامح الموقف الروسي من التنازلات التي تحدث عنها جيه دي فانس، قائلًا إنها تتعلق في الأساس بملفات ميدانية حساسة، أبرزها تجميد العمليات العسكرية في سومي وخاركوف، مع احتمال إعادة الانتشار في بعض القرى المتاخمة لخطوط التماس.
وأضاف أن موسكو أبدت استعدادًا لمناقشة تثبيت الوضع القائم في زابوريجيا وخيرسون دون توسيع نطاق القتال.
وأكد الدبلوماسي أن هذه التنازلات لا تشمل أي تراجع في لوغانسك أو القرم، حيث تعتبرهما روسيا جزءًا لا يتجزأ من سيادتها، وحتى الآن يبقى ملف دونيتسك معقدًا بحكم رمزيته التاريخية والعسكرية.
ورأى أن ما طرح في ألاسكا يعكس رغبة متبادلة في إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، مع إدراك أن الوصول إلى اتفاق شامل لا يزال مرهونًا بمواقف كييف وحلفائها، خاصة أوروبا التي تضغط من أجل وقف إطلاق النار ووقف نزيف الإنفاق العسكري.
ومن جانبه، قال د. نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، في تصريحات لـ"إرم نيوز" إن واشنطن تسعى لإيصال رسالة بأن موسكو مستعدة للتراجع، ولكن لا أحد يعرف طبيعة هذه التنازلات.
وأشار إلى أن الواقع الميداني يظهر العكس، في ظل استهداف أوكرانيا لخط الغاز "دروجبا" الرابط بين روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، وهو ما يعتبر جريمة دفعت سلوفاكيا والمجر إلى تقديم شكوى ضد كييف.
وبحسب بوش، قد تشمل التنازلات الروسية المحتملة التوقف على خطوط التماس الحالية دون التراجع عن أي أرض تمت السيطرة عليها، وفي نفس الوقت لا يمكن أن تتنازل روسيا عن أي جزء من إقليم دونباس.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى إمكانية التخلي عن مناطق مثل سومي وخاركيف التي تقع خارج نطاق دونباس، معتبرًا هذا السيناريو الأقرب للتنازل الفعلي.
وشدّد على أن موسكو ترفض أي هدنة تعيد إنتاج تجربة "مينسك"، حيث استغل الغرب التوقف العسكري لإعادة تسليح الجيش الأوكراني، مؤكدًا أن روسيا "لن تنخدع مرة أخرى" وفق تعبيره.
واعتبر إبراهيم كابان، مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، أن تقديم روسيا إشارات على الاستعداد للتنازل يدخل ضمن "التكتيك السياسي"، بهدف دفع واشنطن إلى ممارسة ضغوط أقوى على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحلفائه الأوروبيين.
وقال كابان لـ"إرم نيوز" إن المفاوضات عادةً تبدأ بسقف مرتفع من المطالب، كما حدث في قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين، ثم مع الوقت تُطرح التفاهمات المشتركة.
ولفت إلى أن موسكو تتعمد هذا النهج لسببين، أحدهما تقديم صورة أمام الأمريكيين، وخاصة الرئيس ترامب، بأنها لا تعرقل مسار المفاوضات، وثانيًا لإحراج كييف أمام المجتمع الدولي.
وأشار إلى أن روسيا تخوض المفاوضات من موقع "الرابح" بعدما أحكمت قبضتها على القرم والمقاطعات الأربع في شرق أوكرانيا، وبالتالي فإن أي تسوية مستقبلية لن تخرج عن إطار تثبيت السيطرة الروسية مقابل تنازل أوكرانيا عن جزء من أراضيها.