المستشار الألماني: سنزيد الضغط عبر العقوبات إذا واصلت روسيا المماطلة بشأن وقف إطلاق النار
لم تكن "مكالمة الأربعين دقيقة" بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب مجرد اتصال بروتوكولي عابر، بل شكلت بمثابة جرس إنذار جديد في مسار الحرب الأوكرانية، خاصة مع مناقشتهما فكرة "رفع مستوى الممثلين" في المحادثات؛ ما يشير إلى دخول الأزمة مرحلة أكثر حساسية، حيث تتوازى أهمية تحديد شكل النهاية المحتملة للحرب مع إدارة المعارك على الأرض.
ويشير محللون إلى أن رفع مستوى الممثلين يعني نقل الحوار من الوفود الفنية إلى الوزراء وصناع القرار الكبار، تمهيدا لصياغة قرارات سياسية تُعرض لاحقا على القادة.
بحسب الكرملين، أكد بوتين أن روسيا منفتحة على استمرار التفاوض المباشر مع كييف، لكنه شدد على أن أي سلام لا يمكن أن يقوم بوجود قوات الناتو أو أي قوات أوروبية في أوكرانيا.
أما ترامب، فاختار توجيه رسالة مخالفة لحلفائه الأوروبيين؛ إذ قاطع اجتماعه مع زيلينسكي وقادة الاتحاد الأوروبي لإجراء المكالمة مع بوتين، مؤكدا أن الحل لا يكمن في بيانات الدعم أو العقوبات، بل في عقد لقاء ثلاثي مباشر يجمعه ببوتين وزيلينسكي.
وتشير مصادر روسية إلى أن رفع مستوى التمثيل قد يعني مشاركة وزارات الدفاع والخارجية والاقتصاد في المفاوضات؛ ما يزيد من حجم المصالح المطروحة ويجعل أي تنازل أكثر تعقيدا.
ويعتبر الخبراء أن هذه الخطوة تهدف لإشراك دوائر أوسع في صنع القرار، عبر إدخال وزارات ومؤسسات جديدة تمهيدا لاجتماع القادة الكبار، لكنها تواجه تعقيدات واضحة بسبب الضغوط الأوروبية والأوكرانية لفرض وقف غير مشروط لإطلاق النار، وهو ما ترفضه موسكو، معتبرة أن أي هدنة مؤقتة لا تعني سلاما حقيقيا ولا تعالج جذور النزاع؛ ما يقلل فرص عقد اجتماعات مباشرة مع زيلينسكي.
ويرى الخبراء أن قمة ألاسكا بين بوتين وترامب شكّلت نقطة تحول في مسار الحرب؛ إذ فتحت الباب لتفاهمات سياسية أولية تؤكد استمرار قنوات الحوار، فيما بدأت واشنطن تتقبل الهواجس الروسية، بينما يزداد ضعف الموقف الأوروبي أمام الضغوط الأمريكية والتقدم الميداني الروسي.
ويعتقد المحللون أن أي اتفاق سلام مستقبلي سيقوم على ثلاثة أسس رئيسة: منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، الاعتراف بضم المقاطعات الأربع والقرم لروسيا، وتقليص القدرات العسكرية الأوكرانية لضمان عدم تهديد موسكو مستقبلا.
أكد د. ميرزاد حاجم، المحاضر الجامعي والباحث في مركز البحوث العلمية التطبيقية والاستشارية، أن رفع مستوى التمثيل في محادثات أوكرانيا يعكس توجها جديدا نحو إشراك دوائر أوسع من صنع القرار، مشيرا إلى أن ذلك يعني دخول وزارات ومؤسسات إضافية على خط النقاش، حيث يبدأ الوزراء أولا بتنسيق مواقفهم وصياغة قرار أولي تمهيدا لعقد اجتماع على مستوى القادة الكبار.
وفي حديث لـ"إرم نيوز"، أعرب حاجم عن شكوكه في إمكانية وصول الأمور فعليا إلى هذه المرحلة، خصوصا فيما يتعلق بالاجتماع مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وأوضح أن أوكرانيا وحلفاءها الأوروبيين سيضغطون منذ البداية باتجاه وقف غير مشروط لإطلاق النار كمدخل لأي حوار، بينما لا يتوافق هذا الطرح مع الموقف الروسي الرافض لأي هدنة مجانية.
وأضاف أن هناك فارقا جوهريا بين الهدنة والسلام؛ فالهدنة تعني وقفا مؤقتا للعمليات العسكرية دون معالجة جذور النزاع، فيما تسعى موسكو إلى فرض اتفاق سلام شامل يكرّس مكتسباتها الميدانية والسياسية. وأكد أن روسيا لن توقف إطلاق النار لمجرد الجلوس مع زيلينسكي على طاولة المفاوضات؛ ما قد يؤدي إلى عدم انعقاد هذه الاجتماعات أساسا.
وأشار إلى أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة تحمل مؤشرات على رغبة الأطراف في استكشاف حلول سياسية، لكنها تبقى رهينة لتشابك الحسابات والمصالح.
واعتبر أن المشهد الراهن يفتقر إلى أرضية مشتركة متينة يمكن أن تشكل أساسا لمفاوضات جدية؛ ما يجعل فرص نجاح أي مبادرة مطروحة ضئيلة للغاية دون تنازلات متبادلة من الجانبين.
بدوره، أكد د. سمير أيوب، المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الروسية، أن قمة ألاسكا بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب مثلت نقطة تحول أساسية في مسار الحرب الأوكرانية؛ إذ أرست أسسا واضحة لحل الصراع بين موسكو وحلف الناتو.
وأشار في حديث لـ"إرم نيوز" إلى أن انعقاد القمة لم يكن خطوة عفوية، بل جاء نتيجة تفاهمات مسبقة عبر قنوات تفاوض سرية وموفدين تنقلوا بين موسكو وواشنطن خلال الأشهر الماضية.
وأضاف أن ترامب بدا هذه المرة أكثر اقتناعا بمشروعية المخاوف الروسية ومطالبها منذ بداية الأزمة، التي شكلت الشرارة الأولى للعملية العسكرية في أوكرانيا.
وأوضح أيوب أن ما تلا القمة من اتصالات مباشرة بين ترامب وبوتين يؤكد أن قنوات الحوار ما زالت فاعلة، خلافا للتكهنات حول انسحاب واشنطن واعتماد نهج أكثر تشددا كما في إدارة بايدن السابقة.
وشدد على أن روسيا لن تقبل بوجود قوات الناتو أو أي قوات أوروبية داخل الأراضي الأوكرانية بعد التسوية، وهو موقف يتقاطع مع تصريحات ترامب التي أكدت أن إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا سيقضي على أي فرصة لتحقيق سلام.
وأكد أن الإدارة الأمريكية الحالية تبدي محاولات جادة لإيجاد مخرج سياسي، تقابلها مرونة روسية متزايدة، في وقت تبدو فيه أوروبا عاجزة عن عرقلة هذا المسار بسبب الضغوط الأمريكية والتقدم الروسي الميداني، خاصة على جبهة «أوكتال».
وأشار إلى أن المكاسب العسكرية الروسية شكّلت دافعا مباشرا لعودة الحديث عن التسوية وإنهاء الحرب، خشية توسع السيطرة الروسية مستقبلا.
وأوضح أن ملامح أي اتفاق سلام مرتقب تقوم على ثلاثة ثوابت رئيسة: منع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، الاعتراف بضم المقاطعات الأربع إلى روسيا إلى جانب شبه جزيرة القرم، وتحجيم القدرات العسكرية الأوكرانية لضمان عدم تهديد موسكو مستقبلا.