logo
العالم

عملية "الأسد الصاعد".. هل تنجح ضربة واحدة في تدمير النووي الإيراني؟

عملية "الأسد الصاعد".. هل تنجح ضربة واحدة في تدمير النووي الإيراني؟
من الهجوم الإسرائيلي على إيرانالمصدر: أ ف ب
14 يونيو 2025، 6:58 ص

شهدت عملية "الأسد الصاعد"، في يومها الأول، استهداف طيفٍ واسعٍ من القدرات الدفاعية والنووية الإيرانية، فضلاً عن اغتيال قيادات عسكرية ونخب علمية إيرانية، وذلك على نحو متزامن وعالي الدقة. 

أخبار ذات علاقة

الموساد

"أخطر اختراق منذ الثورة".. هل أنشأ الموساد قواعد سرية في إيران؟ (فيديو إرم)

خطأ التقديرات والتحليلات

أثبتت العملية خطأ كل التقديرات والتحليلات السابقة، التي انتشرت خلال العقدين الماضيين، والتي تصورت أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية سيكون عبر ضربة جوية جراحية محدودة تستنسخ عملية "أوبرا" التي استهدفت مفاعل تموز النووي العراقي، في يونيو/حزيران 1981، أو عملية "أورتشرد" التي استهدفت مفاعل الكبر النووي السوري، في سبتمبر/أيلول 2007. 

من البديهي أن المضي نحو ضربة عسكرية واسعة بشكل غير مسبوق يعكس تغييراً مهماً في التفكير السياسي والاستراتيجي الإسرائيلي. وسنناقش هذا الجانب في مقالات أخرى قريباً. ولكن ما يجب التركيز عليه اليوم هو التفاصيل التقنية والعسكرية التي سمحت بتنفيذ مثل هذه الضربة. 

عملية "الأسد الصاعد" لا تزال مستمرة. وقد تستمر لعدة أيام أو أسابيع أخرى، بحسب ما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية. ومن ثم فإن فهم ما حصل في اليوم الأول يمكن أن يسمح بتوقع ما يمكن أن يحصل في الأيام التالية للعملية.

معركة قد تتحول إلى حرب

النقطة الأهم التي يمكن الانطلاق منها هي أن العملية مثال على جيل جديد من الحروب والعمليات العسكرية. فالعملية التي شهدت في اليوم الأول أكثر من عشر موجات من الهجمات الجوية المتتالية (فضلاً عن عمليات استخبارية وخاصة داخل إيران) مستهدفةً أكثر من 200 هدف في إيران هي أبعد وأكثف العمليات العسكرية الجوية التي تنفذها إسرائيل. 

وفي الحقيقة، فإن كلمة "عملية" غير دقيقة تماماً. فما يحصل حالياً هو معركة قد تتحول إلى حرب. والتاريخ المعاصر لم يشهد سوى القليل من المعارك التي تحصل بين دول غير متجاورة جغرافياً. 

والقدرة على شن المعارك والحروب العابرة للجغرافيا طالما كانت حكراً على بعض القوى العظمى، على رأسها الولايات المتحدة. 

تعقيدات

تنفيذ العمليات العسكرية البعيدة المدى ليس أمراً معقداً بسبب العوامل اللوجستية، والتكلفة المالية العالية فحسب، ولكن أيضاً بسبب التعقيدات المتعلقة بالاتصالات وقدرات القيادة والسيطرة للمستوى العسكري.

وفي حالة "الأسد الصاعد" تحديداً، توجب على إسرائيل جمع المعلومات عن أهداف عسكرية – مادية وبشرية – متناثرة عبر مساحة إيران البالغة 1.6 مليون كيلومتر مربع، ثم الاستمرار بمتابعة هذه الأهداف حتى بعد انطلاق العملية، أي بعد أن تتجاوز إيران لحظة المفاجأة. 

الولايات المتحدة هي وحدها من نفذ عمليات عسكرية مشابهة، من حيث البعد الجغرافي ومساحة أرض الخصم، لعملية "الأسد الصاعد". والقائمة الأمريكية للعمليات تشمل "عاصفة الصحراء" (1991) و"ثعلب الصحراء" (1998) ضد العراق، و"السندان النبيل" (1998) ضد صربيا، و"فجر الأوديسا" (2011) ضد ليبيا، إلا أن الولايات المتحدة اعتمدت في تلك العمليات على قدرات اتصالات وقيادة وسيطرة هائلة الحجم، شملت عدداً كبيراً من الأقمار الصناعية، وطائرات "الأواكس" التي تحلق بالقرب في المجال الجوي للخصم، أو بالقرب منه، فضلاً عن قطع بحرية للاتصالات والاستخبارات. 

واضطرت الولايات المتحدة لحشد هذه القدرات بشكل مسبق قبل انطلاق العمليات. وقدمت هذه الأنظمة المختلفة كميات هائلة من البيانات تمت معالجتها عبر الألوف أو عشرات الألوف من الكوادر البشرية.

جيل جديد

إسرائيل اليوم تنفذ عملية مقاربة من حيث الحجم لتلك العمليات الأمريكية، ولكن من دون الحاجة إلى نشر أي من هذه الأنظمة الجوية والبحرية بشكل معلن أو مسبق بالقرب من إيران. كما أن القيود البشرية التي تعاني منها إسرائيل لا تسمح لها بتوظيف عشرات الألوف لتنفيذ عمليات معالجة البيانات كما كان الحال مع الولايات المتحدة. 

ما نراه اليوم هو مثال على الجيل الجديد من الحروب التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي سواء في عمليات جمع وتحليل المعلومات، أو عبر تشغيل الأنظمة المسيرة والذاتية القيادة. وهذه القدرات هي ما سمح لإسرائيل بتنفيذ عمليات تقارب من حيث الحجم والنوع ما كان متاحاً فقط للولايات المتحدة.

تمتلك إسرائيل حالياً 12 قمراً صناعياً للاستخدامات الدفاعية. وهذا ما يعتبر ضئيلاً بالمقارنة مع ما تمتلكه الولايات المتحدة، إلا أن استخدام إسرائيل لتقنيات الذكاء الاصطناعي سمح لها بالاستفادة بشكل غير مسبوق مما تقدمه الأقمار الصناعية.

المشكلة الأهم عند استخدام الأقمار الصناعية في المجال الدفاعي هي الزمن اللازم لمعالجة البيانات المصورة والإلكترونية القادمة من هذه الأقمار التي ترصد أيضاً الاتصالات والإشارات الإلكترونية للخصم. 

إسرائيل طورت عدة أنظمة ذكاء اصطناعي لمعالجة بيانات الأقمار الصناعية، ومقاطعتها ودمجها مع مصادر معلومات أخرى. فتطبيق "Gospel" الإسرائيلي يعالج خلال 30 دقيقة كمية بيانات أقمار صناعية كانت تحتاج سابقاً إلى أسبوع على الأقل للمعالجة، وذلك بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024. ومن المحتمل أن قدرات المعالجة هي أسرع مما ذكرته الصحيفة الأمريكية التي نقلت معلوماتها عن عسكريين إسرائيليين سابقين.

هذا لم يكن الاستخدام العسكري الأول لقدرات الذكاء الاصطناعي من جانب إسرائيل، فقد استخدمتها في حربي غزة ولبنان، إلا أن ذلك الاستخدام كان ضد كيانات عسكرية صغيرة الحجم ومقيدة جغرافياً. 

مساحة قطاع غزة لا تصل إلى 365 كيلومتراً مربعاً. وكامل مساحة لبنان هي 10,452 كيلومتراً، ولم يكن "حزب الله" ينتشر أصلاً سوى على جزء صغير من هذه المساحة. 

القدرات العسكرية والبشرية والجغرافية الإيرانية تفوق بعدة أضعاف ما واجهته الآلة العسكرية الإسرائيلية في حربي غزة ولبنان. ما نراه اليوم يثبت أن استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري لا يعرف سقفاً أو حداً حتى الآن.

بينما شهدت حربا غزة ولبنان عمليات اغتيال معقدة لعدد محدود من القيادات في كل مرة، شهدت بداية عملية "الأسد الصاعد" اغتيال حوالي 25 عالماً نووياً، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، وأكثر من 20 جنرالاً إيرانياً، وذلك خلال نافذة زمنية لم تتجاوز 15 دقيقة، بحسب التقارير الإسرائيلية. 

الذكاء الاصطناعي

نجاح هذا الجزء من العملية يعكس دور قدرات الذكاء الاصطناعي في معالجة كميات هائلة من البيانات لرصد حركة عدد كبير من الأهداف واستهدافها من على مسافة تزيد على 1,500 كيلومتر. والعملية أظهرت كذلك التطور في قدرات الأنظمة المسيرة والذاتية القيادة (أي التي تستخدم أيضاً قدرات الذكاء الاصطناعي).

لقد نشرت القوات الخاصة الإسرائيلية عدداً كبيراً من الطائرات المسيرة داخل إيران، فضلاً عن منصات مزودة بصواريخ – يرجح أنها من طراز "Spike" المضادة للأهداف البرية. وزعت هذه الأسلحة بالقرب من منصات الدفاع الجوي الإيرانية، ومنصات الصواريخ البالستية، وكذلك بالقرب من بعض المواقع العسكرية والسكنية الخاصة بالكوادر الإيرانية التي اغتيلت. 

ونظراً للعدد الكبير من الأهداف – خصوصاً مواقع الدفاع الجوي – فمن المحتمل أن إسرائيل قد نشرت العشرات أو المئات من هذه الطائرات المسيرة ومنصات الصواريخ. 

تنفيذ هجمات بمثل هذه الأعداد، ضمن مساحة تبلغ مئات ألوف الكيلومترات المربعة، هو أمر معقد للغاية حتى عبر وجود كوادر بشرية تقود الهجمات من الأرض. وما يزيد تعقيد هذه المهمة هو النافذة الزمنية الضيقة للغاية التي نقدر أنها لا تتجاوز بضع دقائق. 

أخبار ذات علاقة

غارة إسرائيلية سابقة على طهران

استهداف إسرائيلي جديد في همدان وزنجان وأسِدآباد غرب إيران (فيديو)

سلاح الصواريخ البالستية

استهداف منصات الدفاع الجوي كان يجب أن يبدأ قبيل وصول المقاتلات الإسرائيلية إلى المجال الجوي الإيراني، ولكن أيضاً يجب ألا يحصل قبل فترة طويلة بما ينبه القيادات العسكرية الإيرانية ويدفعها للاحتماء. مثل هذا التزامن والتوجيه الدقيق للطائرات المسيرة والصواريخ ما كان ليتحقق على هذا النطاق من دون استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي. 

وهذا الاستخدام هو على الأرجح ما حال دون وقوع أي خسائر في صفوف القوات الإسرائيلية المهاجمة، وذلك بالرغم من تنفيذ مئات الطلعات الجوية للطائرات المقاتلة الإسرائيلية خلال اليوم الأول للعملية، منها 200 طلعة في الموجة الافتتاحية وحدها.

إيران من جانبها لا تمتلك حالياً سوى سلاح الصواريخ البالستية الذي يتآكل مخزونه بسرعة. الجنرال فرانك ماكينزي، القائد الأسبق للقيادة المركزية، كان قال في شهادته لمجلس الشيوخ الأميركي، في مارس/آذار 2022، إن مخزون إيران البالستي يقارب 3,000 صاروخ، إلا أن تقديرات مراكز الأبحاث الأميركية خفضت هذا الرقم في الأيام الأخيرة إلى حوالي 2,000 صاروخ. 

وبعيد انطلاق عملية "الأسد الصاعد"، نشر "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (CSIS) الأمريكي تقريراً يقول إن الحجم الفعلي لترسانة إيران الصاروخية التي يمكن أن تستهدف إسرائيل يبلغ حوالي 1,000 صاروخ فقط، وذلك نتيجة خسارة إيران لكثير من صواريخها في الضربة الافتتاحية الإسرائيلية، فضلاً عن أن قسماً مهماً من هذه الصواريخ هو قديم أصلاً، ويعمل بالوقود السائل مما يطيل فترة تحضير الصواريخ للإطلاق، ويكشفها لإجراءات المراقبة الإسرائيلية. 

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

مسؤول أمريكي سابق لـ"إرم نيوز": إيران أضاعت "فرصة ذهبية" من يد ترامب

 إيران ردت في اليوم الأول لعملية "الأسد الصاعد" ما يقارب 300 صاروخ بالستي باتجاه تل أبيب، إلا أن النتائج بقيت متواضعة، سواء لناحية الخسائر المادية والبشرية أو لناحية التأثير في القرار الإسرائيلي. 

أن تتلاشى فاعلية مئات الصواريخ البالستية الإيرانية في اليوم الأول للمواجهة، وأن يتآكل المخزون الباقي بشكل متسارع، هو مشهد لم يكن يمكن تصوره حتى منذ بضعة أشهر. 

ما رأيناه، وسنراه في الأيام المقبلة، هو أمثلة على الجيل الجديد من الحروب والعمليات العسكرية التي ستغير التوازنات الجيوسياسية، وتعيد رسم الأنظمة الإقليمية.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC