وجدت إسرائيل في إضعاف ميليشيا "حزب الله"، إحدى أهم أذرع طهران في المنطقة، الوسيلة الأهم لتأمين ظهرها وعدم الوقوع تحت أي ضغط بالرد عند استهداف إيران من الداخل، أو تشكيل خطر من الميليشيا الواقعة فوق رأس إسرائيل، والتي كانت تمتلك قبل نهاية تشرين أول/ أكتوبر الماضي الترسانة العسكرية والتموضع الاستراتيجي الذي يكشف قلب تل أبيب وعمقها أمام صواريخ التنظيم.
ونجحت تل أبيب في إتمام المهمة بتفريغ دور "حزب الله" وقدراته العسكرية والتسليحية، والتخلص من قياداته، وعلى رأسهم الأمين العام السابق حسن نصر الله، واصطياد كبار المجموعات والعناصر واحدا تلو الآخر، حتى تُقدِّم إسرائيل عبر الضربة النافذة التي جاءت مؤخرا "الأسد الصاعد"، وتتخلص من كبار القادة العسكريين وعلماء الذرة ومسؤولين في الحرس الثوري وأصحاب مواقع مهمة في طهران، دون أن يُعكّر صفوها أو تشعر بالتهديد من رد فعل أذرع إيران، وفي الصدارة "حزب الله".
وأوضح خبراء في العلاقات الدولية والشأن اللبناني لـ"إرم نيوز"، أن إسرائيل كانت مُقيّدة في التعامل مع إيران في عدة جولات بسبب هيمنة حزب الله على لبنان، لافتين إلى أن انهيار المنظومة العسكرية للميليشيا اللبنانية أنهى بشكل كبير ما كانت تهدد به طهران، بأن ذراعها اليمنى وصولجانها حاضران لتهديد إسرائيل في حال مساس الأخيرة بمصالحها، بعد أن كانت تدقق تل أبيب دائمًا في رد فعل "حزب الله" بعد أي جولة مواجهة تجمعها مع طهران.
من جانبه، يقول الباحث في العلاقات الدولية نبيه واصف، إن حزب الله قبل ضَرْبه وتفكيكه بهذا الشكل، كان يحمل التهديد الإيراني الفعال لإسرائيل، ولذلك كان الطموح في تدمير قدراته أولوية، وذلك بدعم أمريكي على مستوى معلوماتي وأمني وعسكري في الحرب الأخيرة على لبنان التي استمرت لمدة شهرين تقريبا، من أول أكتوبر حتى 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بغرض تدمير جميع إمكانيات وأدوات التنظيم.
وأوضح واصف لـ"إرم نيوز"، أن حزب الله، الذي كان يمتلك قدرات عسكرية صاروخية إيرانية، لم يكن الرهان في تطور هذه الإمكانيات التسليحية، ولكن هناك عوامل أساسية كانت تجعل التنظيم بمثابة حامي إيران، وهو الموقع الجغرافي من الجنوب اللبناني الملاصق لإسرائيل والمهدد لمستوطناتها، والأهم في هذا الموقع، ما كان يتحكم فيه التنظيم من نقاط استراتيجية في الجنوب، وكان يجعله مهددا لأمن إسرائيل وعمقها بأقل إمكانيات عسكرية.
وبيَّن أن حزب الله، قبل الحرب الإسرائيلية عليه في خريف 2024، كان يمثل حوالي 50% من قوة أذرع إيران، ولكن الأهم أنه كان الأقوى بينهم والأكثر جاهزية، وذهاب تل أبيب وواشنطن لضرب الأذرع الأخرى وتصفيتها لن يكون إلا عبر هدم قوة حزب الله أولًا، وهو ما وضح بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان وتأثر التنظيم وفقدانه قوته، لتكون الضربات المركزة والمتصاعدة تجاه الحوثيين، وما جرى في سوريا من سقوط النظام الحليف لطهران "بشار الأسد"، الذي جاء بعد أقل من أسبوعين من ضرب قدرات حزب الله.
وأشار واصف إلى أن انهيار منظومة حزب الله أنهى بشكل كبير ما كانت تهدد به إيران، بأن ذراعها اليمنى وصولجانها حاضران لتهديد إسرائيل في حال مساس الأخيرة بالمصالح الإيرانية، بعد أن كانت تدقق تل أبيب دائمًا في رد فعل حزب الله بعد أي جولة تجمعها مع إيران.
بدوره، يرى المحلل السياسي اللبناني شاكر داموني، أن تدمير حزب الله كان استخباراتيا بالدرجة الأولى قبل أن يكون عسكريا، عبر اختراق المنظومة المعلوماتية الإيرانية التي وضح تفككها وسهولة اختراقها مؤخرا؛ لأن جانبا كبيرا من المعلومات التي تعاملت بها إسرائيل عبر أنظمتها العسكرية الجوية والصاروخية، والضربات التي تم تفعيلها عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، جعلت حزب الله يتهاوى باختراق جاء في الأساس من قلب إيران.
وأضاف داموني لـ"إرم نيوز"، أن العملية التي وُجهت لحزب الله في أكتوبر ونوفمبر 2024، أخذت تجهيزا ووقتا استخباراتيا كبيرا قبل أن يكون التنفيذ عسكريا، وذلك عندما استطاعت إسرائيل، بمعاونة أجهزة استخبارات غربية، كانت تسيطر على بعض الجماعات في الحرب الأهلية السورية، أن تمتلك قاعدة بيانات وصورا وبصمات صوتية لقادة وعناصر حزب الله، والتي كانت بمثابة مخزون استهدف البنية العسكرية في قلب لبنان، ليفقد التنظيم القوة والقيادة والسلاح.
وأوضح أن إسرائيل كانت مُقيّدة في التعامل مع إيران في عدة جولات بسبب هيمنة حزب الله على لبنان، والذي كان دولة فوق الدولة، يستخدم إمكانيات الدولة، لا سيما السياسية والدبلوماسية، وصولًا إلى الاستراتيجية، وفي الوقت نفسه، كان يقوي التنظيم جميع منظوماته العسكرية والتسليحية، فكان فوق رأس إسرائيل مباشرة، ويكون حاضرا مع أي تحرك من تل أبيب أو واشنطن، سواء تجاه إيران أو أذرعها في اليمن والعراق وسوريا.
واستكمل داموني أن حزب الله ظل، حتى في تراجع قوته خلال الوقت الراهن، في ذهن إسرائيل قبل أي تحرك ضد إيران، والدليل أ قبل تنفيذ تل أبيب الضربة الأخيرة "الأسد الصاعد" على الداخل الإيراني بدقائق، وطوال الهجمة على طهران، قام سلاح الجو الإسرائيلي بشن غارات على مناطق في الجنوب اللبناني، بالإضافة إلى حضور الطيران المُسيّر الإسرائيلي فوق الضاحية الجنوبية، المقر السياسي لحزب الله بقلب العاصمة بيروت.