logo
العالم
خاص

"نطنز وما بعد نطنز".. إلى أين ستصل إسرائيل في إيران؟

"نطنز وما بعد نطنز".. إلى أين ستصل إسرائيل في إيران؟
دمار في إيران بعد الهجمات الإسرائيليةالمصدر: منصة إكس
14 يونيو 2025، 3:58 م

اعتاد إعلاميو وسياسيو "محور الممانعة" استخدام تعابير تستنسخ عبارة حسن نصر الله، في حرب 2006 "إلى حيفا وما بعد حيفا"، وذلك في إشارة إلى المضي إلى أبعد من المتوقع. لكن ما تقوم به إسرائيل حالياً، خلال عملية "الأسد الصاعد"، يتجاوز بوضوح هدف استهداف البرنامج النووي الإيراني.

الساعات الأولى من العملية الإسرائيلية شهدت استهداف موقع "نطنز" لتخصيب اليورانيوم، كما شهدت استهداف قدرات دفاع جوي ومنصات صواريخ بالستية، فضلاً عن استهداف طيف واسع لأعلى القادة العسكريين ولأهم العلماء النوويين. وبهذا تبدو إسرائيل وقد مضت إلى نطنز وما بعد نطنز.

ولكن إلى أين تريد إسرائيل أن تصل فعلاً؟ ولماذا قررت أساساً المضي إلى هذا المدى غير المسبوق في ضرب قدرات النظام الإيراني؟ وما هي الحسابات أو الرهانات الإسرائيلية هنا؟ وهل يمكن أن تنجح فعلاً؟. 

تحدث المسؤولون السياسيون والعسكريون الإسرائيليون بشكل متواتر في الأسابيع الأخيرة عن خطورة البرنامج النووي الإيراني، واقتراب إيران بشكل خطير للغاية من امتلاك السلاح النووي.

وبعيد انطلاق عملية "الأسد الصاعد"، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنها تهدف لإزالة القدرات النووية الإيرانية. إلا أن الطيف الواسع للأهداف، وتأكيد إسرائيل منذ الساعات الأولى للعملية أنها يمكن أن تستمر لعدة أيام أو أسابيع، يشير إلى أن العملية تمتلك على الأرجح أهدافاً تتجاوز البرنامج النووي الإيراني. 

هذا الاستنتاج ينطلق من اعتبارات تتجاوز ما رأيناه في اليوم الأول للعملية. 

فمن ناحية أولى، يجمع القادة العسكريون الإسرائيليون، الحاليون والمتقاعدون، على أن الخيار العسكري وحده لا يمكن أن ينهي البرنامج النووي الإيراني.

أخبار ذات علاقة

من الهجوم الإسرائيلي على إيران

عملية "الأسد الصاعد".. هل تنجح ضربة واحدة في تدمير النووي الإيراني؟

إيران قد راكمت كل الخبرات والمعارف التي تحتاجها لإنتاج أجهزة الطرد المركزي بشكل محلي، وتخصيب اليورانيوم للمستوى اللازم لصناعة الأسلحة النووية. كما أجرت أبحاثاً سريةً حول تصنيع الصاعق النووي. المسؤولون الإسرائيليون الحاليون لا يزالون يؤكدون أنه من الممكن إزالة القدرات النووية الإيرانية عبر الخيار العسكري.

إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك كان أكثر شفافية. فخلال مقابلة مع قناة "سي إن إن" الأمريكية، بعيد انطلاق عملية "الأسد الصاعد"، اعتبر باراك أن العملية نجحت بشكل يفوق التوقعات.

باراك اعتبر أن الضربات العسكرية الإسرائيلية لا يمكنها سوى تأخير إيران لبضعة أيام أو أسابيع على الأكثر عن امتلاك السلاح النووي (في حال كانت إيران اتخذت بالفعل القرار بامتلاك السلاح النووي).

فإيران، بحسب باراك، يمكنها أن تستأنف تخصيب اليورانيوم في أي موقع، بما في ذلك في "مرآب للسيارات"، بحسب تعبيره. والضمانة الفعلية بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي لا يمكن أن تتوفر سوى عبر تغيير النظام الإيراني أو إرغامه على توقيع معاهدة ملزمة تقيد أنشطته النووية. فما لم يقله باراك صراحةً، يمكن استنتاجه عبر التمعن في تفاصيل عملية "الأسد الصاعد".

المواقع النووية لم تشكل سوى جزء محدود مما استهدفته إسرائيل، خصوصاً في المراحل التالية من العملية. فالمواقع النووية المستهدفة اقتصرت على منشأة "نطنز" لتخصيب اليورانيوم، ومركز أصفهان للأبحاث النووية الذي تقول إسرائيل إنه يضم منشأة لمعالجة اليورانيوم المخصب وتحويله من الحالة الغازية إلى الصلبة تحضيراً لاستخدامه في الأسلحة النووية.

كما ذكرت بعض وسائل الإعلام الإيرانية أن منشأة "فوردو" لتخصيب اليورانيوم، وهي الأهم والأكثر تحصيناً، قد تعرضت للاستهداف مساء الجمعة، إلا أن إسرائيل لم تؤكد استهدافها لهذه المنشأة.

القسم الأكبر من الضربات الإسرائيلية تركز على مواقع الدفاع الجوي والمطارات العسكرية ومواقع تخزين وإطلاق الصواريخ البالستية، فضلاً عن عمليات اغتيال نوعية لكبار القادة العسكريين والعلماء النوويين. 

أخبار ذات علاقة

نتنياهو

"الأسد الصاعد".. سر اسم العملية الإسرائيلية ضد إيران (فيديو إرم)

من الناحية العسكرية، نجحت إسرائيل في إلحاق خسائر واسعة في بنية القيادة العسكرية الإيرانية، عبر اغتيال رئيس الأركان وقادة الحرس الثوري وأغلب قادة سلاح الجو، كما ألحقت خسائر كبيرة في قدرات الدفاع الجوي الإيرانية. وباتت تمتلك حرية حركة جوية وصولاً إلى العاصمة الإيرانية التي استهدفت بشكل أكثر كثافة وعنفاً اعتباراً من مساء اليوم الأول لعملية "الأسد الصاعد".

أهمية التركيز على قدرات الدفاع الجوي الإيرانية يعود إلى حجم الصعوبات التي واجهتها إيران في بناء هذه القدرات خلال السنوات الماضية. فقد تجنبت روسيا والصين تزويد إيران بأنظمة دفاع جوي حديثة. والبطاريات الأربع الوحيدة من طراز "S-300"، التي حصلت عليها إيران من روسيا بعيد توقيع الاتفاق النووي في 2015، تعرضت للتدمير، على دفعتين، في أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول 2024. واليوم الأول من عملية "الأسد الصاعد" شهد تدمير العديد من بطاريات الدفاع الجوي من أنواع متعددة، بينها العديد من البطاريات الذاتية الحركة التي يمكن نشرها في أي موقع.

لن يكون من السهل على إيران ترميم الخسائر في بنية الدفاع الجوي لديها خلال الأشهر أو السنوات المقبلة، وهي لم تستطع حتى الآن تعويض غياب بطاريات "S-300" الأربع التي فقدتها في 2024. كما ركزت عملية "الأسد الصاعد" على ضرب العديد من القواعد الجوية العسكرية الإيرانية، وذلك على الأرجح لإزالة أي تهديد محتمل من جانب سلاح الجو الإيراني. 

أخبار ذات علاقة

صورة أرشيفية من موقع مفاعل نطنز النووي

هل تستطيع إسرائيل تدمير البرنامج النووي الإيراني؟

يظهر بوضوح أن إسرائيل تعمل على إزالة القيود على حركتها الجوية من الميدان الإيراني، بما يسمح لها بزيادة وتيرة وعمق عملياتها الجوية داخل إيران. هنا تبدو التحركات الإسرائيلية داخل إيران مشابهة للتحركات الإسرائيلية في سورية، في الفترة من 2013 إلى 2024. إلا أن إسرائيل أنجزت في يوم واحد في إيران أكثر مما أنجزته في سنوات عدة في سورية.

إزالة العوائق أمام الحركة الجوية الإسرائيلية في إيران تعني أن إسرائيل يمكن أن توسع تحركاتها العسكرية كماً ونوعاً، سواء خلال العملية الحالية، أو عبر تنفيذ ضربات أخرى في المستقبل، متى ما دعت الحاجة إلى ذلك. 

لا تحتاج إسرائيل إلى حرية الحركة في المجال الجوي الإيراني لاستهداف المواقع النووية فحسب، بل لاستهداف القدرات الصاروخية البالستية أيضاً.

وفي المراحل اللاحقة من عملية "الأسد الصاعد"، تحدث العسكريون الإسرائيليون صراحةً عن أن أهدافهم تشمل إزالة التهديد الصاروخي الإيراني. وجاء هذا الإعلان الإسرائيلي حتى قبل أن تطلق إيران صواريخها باتجاه تل أبيب مساء الجمعة.

إن استهداف إسرائيل لمواقع تخزين الصواريخ البالستية، واستهداف المنصات المتحركة المموهة التي طورتها إيران يمثل نزع أهم مخالب إيران.

والصورة الإجمالية – من ضرب للمنشآت النووية والصاروخية واغتيال كبار القادة العسكريين الإيرانيين – تعني أن إسرائيل تعمل على تهشيم صورة الردع الإيرانية بشكل لا يمكن لها التعافي منه. ومسارعة إسرائيل للكشف، بما في ذلك عبر مقاطع فيديو، عن إرسالها، قبل فترة طويلة، لقوات خاصة إلى داخل إيران لنشر صواريخ وطائرات مسيرة تحضيراً لاستهداف مواقع الدفاع الجوي ومنصات الصواريخ البالستية الإيرانية عند انطلاق العملية الإسرائيلية، هو مثال مهم على الحرب النفسية التي تمارسها إسرائيل ضد النظام الإيراني وضد حلفائه في المنطقة. 

أخبار ذات علاقة

طهران أثناء القصف الإسرائيلي

"التايمز": هجمات إسرائيل ستُعرقل مؤقتا البرنامج النووي الإيراني

ولكن لماذا تفتح إسرائيل الحرب بهذا الشكل على إيران، وفي هذا التوقيت؟. شكل وتوقيت العملية الإسرائيلية يشير إلى أنها تهدف لتغيير كامل مقاربة الإدارة الأمريكية لإيران وللشرق الأوسط؛ فقد حاولت الإدارة الأمريكية في الأيام الأخيرة الدفع باتجاه صفقة نووية سريعة مع إيران تكتفي بالعودة إلى الاتفاق النووي السابق والتخلي عن شرط الإيقاف الكامل لعمليات تخصيب اليورانيوم، والذي كان ترامب شدد عليه مرات عدة.

وتدرك إسرائيل أن إدارة ترامب، وتيار "ماغا" في الحزب الجمهوري، يحاولان تجنب التورط في أي عمليات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك عبر التهويل من خطر وعواقب هذه العمليات.

 ترامب نفسه وأركان إدارته يتجنبون الحديث علناً، وبشكل مفهوم، عن مثل هذه المخاطر. إلا أن بعض الإعلاميين والسياسيين الأمريكيين المقربين من ترامب يتحدثون بصراحة عن ذلك.

أخبار ذات علاقة

آثار غارة على أحد أحياء طهران

الجيش الإسرائيلي: قضينا على أكثر من 20 قائدا عسكريا إيرانيا

ففي 17 مارس/آذار، قال الإعلامي الشهير تاكر كارلسون، المقرب من ترامب، إن الخيار العسكري ضد إيران سيؤدي بشكل شبه مؤكد لمقتل ألوف الأمريكيين في الشرق الأوسط، وسيكلف الولايات المتحدة عشرات ملايين الدولارات، فضلاً عن تعريض الأراضي الأمريكية في المستقبل لخطر العمليات الإرهابية.

وأضاف كارلسون أن أي استهداف عسكري (من أي طرف) لإيران سيقود إلى حرب تتحمل الولايات المتحدة مسؤوليتها. 

ما أظهرته الضربة الإسرائيلية حتى الآن هو أن ما يمكن إنجازه عسكرياً ضد إيران يفوق بكثير التوقعات السابقة، وأن عواقب ضرب إيران عسكرياً هي أقل بكثير مما يعتقد.

النتيجة الأهم هي التغيير في موقف ترامب الذي بدأ يحاول نسب الإنجازات العسكرية الإسرائيلية لنفسه بما في ذلك عبر القول إن العملية أظهرت قوة الأسلحة الأمريكية، وكذلك أنها جاءت في اليوم 61 لمنحه إيران مهلة 60 يوماً للتوصل إلى اتفاق نووي.

أخبار ذات علاقة

بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب

"لوموند": ضرب إسرائيل لإيران يضع ترامب في موقف حرج

ولكن ما لم يقله ترامب صراحةً هو ما الذي سيحصل في اليوم 62 أو 63 أو 64 من هذه المهلة إذا ما رفضت إيران – كما يبدو حالياً – الشروط النووية الأمريكية، وإذا ما تابعت إطلاق الصواريخ البالستية باتجاه إسرائيل، التي يقيم فيها بضع مئات ألوف من حملة الجنسية الأمريكية؟ مع تتالي تبادل الضربات، ينخفض احتمال بقاء الولايات المتحدة على الحياد.

ويزداد احتمال مشاركتها في استهداف المنشآت النووية الإيرانية، وبهذا ينجح الرهان الإسرائيلي على المضي إلى ما هو أبعد من نطنز. 

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC