يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه في موقف حرج بعد العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، حيث أعلن أنها كانت "ناجحة" دون أن يباركها صراحة، وفق ما أوردت صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وأضافت الصحيفة: "رغم وعوده السابقة بإنهاء الحروب، شاركت القوات الأمريكية في الدفاع عن إسرائيل ضد الرد الإيراني، الأمر الذي يضعه في تناقض مع خطابه الرافض للتدخلات الخارجية والذي يلقى صدى واسعًا في قاعدته الانتخابية".
وذكرت أن العملية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية إيرانية مثلت اختبارًا حاسمًا للرئيس ترامب، الذي حاول الموازنة بين دعمه التقليدي لإسرائيل ورغبته في تجنب الانزلاق في صراعات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط.
وأكد ترامب في تصريحات متباينة أن الضربة الإسرائيلية كانت "ناجحة"، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي يضمن الاستقرار في المنطقة، معبرًا عن قلقه من الانجرار إلى مواجهات عسكرية موسعة قد تجر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة.
في أعقاب الهجوم الإسرائيلي، ردت إيران بإطلاق صواريخ على أهداف إسرائيلية وأمريكية في المنطقة، ما دفع القوات الأمريكية إلى التدخل في الدفاع الجوي عن إسرائيل.
وتكرر هذا الدور الذي سبق أن قامت به واشنطن خلال عهد الرئيس جو بايدن في 2024، ما يبرز التحدي الذي يواجهه ترامب في التوفيق بين خطاب "أمريكا أولًا"، ورغبة قاعدته في الابتعاد عن الحروب الخارجية من جهة، والحفاظ على تحالف قوي مع إسرائيل من جهة أخرى.
ويركز ترامب، وفق مراقبين، على حماية القوات الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط التي تُعد هدفًا محتملًا للرد الإيراني، وهو موقف يفسر حرص إدارته على التنسيق مع تل أبيب قبل العملية.
وأشار السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، دان شابيرو، إلى أن ترامب كان مطلعًا مسبقًا على الضربة، ومنحها ضوءًا أخضر مشوبًا بالحذر، مع تفضيله تأجيل العمل العسكري لمنح المجال للدبلوماسية، لكنه لم يكن مستعدًا لمنع إسرائيل من اتخاذ خطوات حاسمة ضد البرنامج النووي الإيراني.
وفي موازاة ذلك، أطلق ترامب عدة تصريحات إعلامية أكد فيها أن العملية قد تدعم المفاوضات الجارية مع إيران من خلال مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، محذرًا في الوقت ذاته من أن استمرار العنف قد يؤدي إلى كارثة إنسانية.
وعلى منصته الخاصة "تروث سوشيال"، أكد ترامب أن إسرائيل تمتلك أسلحة أمريكية متطورة "الأفضل والأكثر فتكًا"، لكنه كرر دعوته إلى اتفاق مع إيران لتجنب المزيد من الخسائر.
وقالت الصحيفة إنه داخل القاعدة الشعبية لترامب، لا تخلو الأجواء من التوتر والجدل بشأن السياسة الخارجية، حيث حذر تشارلي كيرك، من أبرز قيادات حركة "ميغا"، من انقسام محتمل داخل الحركة على خلفية هذه القضية، ما قد يؤثر سلبًا على قدرة ترامب على حشد الدعم في الانتخابات القادمة.
من جهته، اتهم الإعلامي المحافظ تاكر كارلسون الرئيس الأمريكي بـ"المساهمة في عمل عدائي" عبر صمته على الضربة الإسرائيلية.
على الجانب الإسرائيلي، يبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسعى إلى دفع الأمور نحو تغيير جذري في النظام الإيراني، ما يزيد تعقيد المهمة التي تواجه ترامب، الذي لطالما تعامل ببرود مع حلفائه في المنطقة.
ويرى الخبير الأمريكي آرون ديفيد ميلر أن ترامب سبق أن خالف مواقف نتنياهو في قضايا عدة مثل رفع العقوبات عن سوريا والتفاوض مع حركة حماس، ما يظهر استعداد الرئيس الأمريكي للانفصال عن رغبات حليفه الإسرائيلي في بعض الملفات.
ووفق الصحيفة، عسكريًا، كشفت العملية الإسرائيلية عن الحاجة إلى ذخائر خاصة، مثل القنبلة الأمريكية المضادة للملاجئ GBU-57، لتدمير المنشآت النووية الإيرانية المحصنة تحت الأرض، ما يضع إدارة ترامب أمام خيار معقد بين تزويد إسرائيل بأسلحة هجومية أو الاقتصار على الدعم الدفاعي، في ظل شكوك متزايدة بشأن إمكانية القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني.
وحذر خبراء مثل جيمس أكتون من مركز كارنيغي من أن هذه العملية قد تزيد تصميم إيران على تطوير أسلحتها النووية، إذ إن طهران عملت على توزيع منشآتها النووية بشكل يصعب تدميرها دفعة واحدة، ما يعني استمرار دائرة القصف الإسرائيلي وردود الفعل الإيرانية.
وخلص تقرير "لوموند" إلى القول إنه وسط هذا التصعيد المتواصل، يبقى ترامب في موقف صعب يحاول من خلاله تحقيق توازن دقيق بين حماية المصالح الأمريكية، ودعم إسرائيل، واحتواء مخاطر الانجرار إلى مواجهة عسكرية مفتوحة قد تعقد المشهد السياسي الداخلي والخارجي على حد سواء.