في عرض عسكري ضخم أقيم في بكين في 3 سبتمبر/ أيلول بمناسبة الذكرى الثمانين لانتصار الصين على اليابان في الحرب العالمية الثانية، استعرض جيش التحرير الشعبي الصيني سلسلة من أنظمة الأسلحة الهجومية والدفاعية المتطورة.
وقد لفتت الأنظار خصوصًا الصواريخ الأسرع من الصوت، والطوربيدات النووية، وأنظمة الليزر، إضافة إلى الصواريخ المضادة للسفن والغواصات، بحسب صحيفة "يوراسيان تايمز".
لكن التركيز الأكبر كان على أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي المتطورة، حيث ظهرت للمرة الأولى أنظمة جديدة قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية، بل وحتى الأقمار الصناعية.
قدمت الصين خلال العرض العسكري ستة أنظمة دفاعية متطورة، من بينها HQ-11 لاعتراض الصواريخ جو–أرض والطائرات، وHQ-22A متوسط–بعيد المدى لمواجهة المقاتلات والطائرات المسيرة، إضافةً إلى HQ-9C وHQ-19 اللذين يعززان الدفاع داخل وخارج الغلاف الجوي ضد الصواريخ الباليستية والأسلحة الأسرع من الصوت.
كما كشفت لأول مرة عن HQ-20 متوسط–بعيد المدى، في حين برز HQ-29 كأقوى الأنظمة بقدرة على اعتراض الصواريخ خارج الغلاف الجوي وتدمير الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض.
وبدمج هذه المنظومات، باتت الصين تمتلك شبكة دفاع جوي وصاروخي متعددة الطبقات، شبيهة بالقدرات الأمريكية والروسية.
من جانبه، أكد وانغ يانان، رئيس تحرير مجلة إيروسبيس نوليدج، أن نظام HQ-19 مصمم للتصدي للصواريخ الباليستية، لكنه قادر أيضًا على اعتراض المركبات الانزلاقية الأسرع من الصوت، وهي تقنية أثبتت روسيا فاعليتها في أوكرانيا، وأظهرت محدودية أنظمة الدفاع الغربية.
وهذا يجعل HQ-19 جزءًا حاسمًا من استراتيجية بكين لبناء درع مضاد للأسلحة المستقبلية.
كانت النجمة الأبرز في العرض منظومة HQ-29، التي كُشف عنها لأول مرة، بقدرات فريدة على اعتراض الصواريخ الباليستية في مرحلة منتصف المسار والتصدي للأهداف خارج الغلاف الجوي، وبتصميم ضخم يبلغ طوله 7.5 مترًا وقطره 1.5 متر مع حمولة صاروخين فقط، ما يمنحها مهام مزدوجة تشمل مواجهة الصواريخ بعيدة المدى واستهداف الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض.
ويرى الخبراء أن HQ-29 يضاهي النظام الأمريكي SM-3 والروسي S-500، بل ويقارب قدرات نظام PL-19 Nudol الروسي المضاد للأقمار الصناعية.
تشكل قدرات HQ-29 على استهداف الأقمار الصناعية تحولًا استراتيجيًا خطيرًا، إذ يمكنه تعطيل أقمار الاستطلاع والاتصالات الأمريكية، وشل أنظمة GPS العسكرية التي يعتمد عليها الجيش الأمريكي عالميًا، فضلًا عن تهديد شبكات الأقمار الصناعية التجارية والعسكرية مثل ستارلينك.
هذا يعني أن الصين لا تكتفي الآن بالدفاع ضد الصواريخ الباليستية، بل تسعى أيضًا إلى عسكرة الفضاء وحرمان الخصم من استخدامه، وهو ما وصفه محللون أمريكيون بأنه "تهديد حقيقي للبنية التحتية الفضائية الأمريكية".
بدمج أنظمة HQ-9 وHQ-19 وHQ-29، تكون الصين قد أسست درعًا متكاملًا ومتعدد الطبقات يضعها في مصاف القوى القليلة عالميًا التي تمتلك نظامًا كاملًا مضادًا للصواريخ الباليستية والأقمار الصناعية.
ويرى الخبراء أن هذه القدرات لا تمثل فقط استعراضًا عسكريًا، بل هي أداة ردع استراتيجية قد تغير ميزان القوى بين الصين والولايات المتحدة، خصوصًا في حال تصاعد التوتر في بحر الصين الجنوبي.
إذ يمكن لبكين، عبر تفعيل HQ-29، أن "تعمي" القوات الأمريكية بحرمانها من الأقمار الصناعية، وهو سيناريو من شأنه شل القيادة والسيطرة الأمريكية في أي صراع محتمل.