دخلت الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2025 مرحلة سياسية مختلفة، لم تعد فيها المعارك الميدانية وحدها هي المؤشر الحاسم، بل أصبح الخطاب السياسي نفسه انعكاسًا مباشرًا لتوازنات جديدة فرضها طول أمد الصراع، وتبدل الأولويات الغربية، وتراجع الزخم الدولي.
ومع استمرار القتال دون حسم واضح، بدأت مواقف موسكو وكييف تعكس تحولات أعمق في الحسابات واللغة، حتى مع التمسك العلني بالثوابت.
على الجانب الروسي، حافظ الرئيس فلاديمير بوتين خلال 2025 على تأكيده الثابت لأهداف العملية العسكرية، معتبرًا أن روسيا تخوض معركة دفاع عن مصالحها الوجودية.
ففي خطابه أمام الجمعية الفيدرالية في فبراير 2025، شدد على أن حماية سكان دونباس ومنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وضمان حيادها تظل شروطا غير قابلة للتراجع، محملًا الغرب مسؤولية إطالة أمد الحرب عبر دعمه العسكري والسياسي لكييف.
غير أن هذا الثبات ترافق مع مرونة تكتيكية واضحة في الخطاب الدبلوماسي، خاصة مع إعلان بوتين استعداد بلاده للحوار مع أي طرف يسعى إلى تسوية «عادلة»، لكنه ربط ذلك بالاعتراف بالوقائع الجغرافية التي فرضتها الحرب.
وفي مقابلة تلفزيونية في أكتوبر 2025، أكد أن موسكو لا تستهدف السيطرة على أوكرانيا كاملة، لكنها في الوقت ذاته لن تتنازل عن الأراضي التي ضمتها رسميًا في سبتمبر 2022، في إعادة تعريف لأهداف الحرب بما ينسجم مع موازين القوى الحالية.
داخليًا، واصل الكرملين توظيف خطاب تعبوي يربط الصراع بالمواجهة التاريخية مع الغرب، وخلال احتفالات ذكرى الانتصار في الحرب العالمية الثانية، قدم بوتين الحرب الأوكرانية كامتداد لمعركة روسيا ضد محاولات إخضاعها، في مسعى لتعزيز التماسك الشعبي وتبرير الكلفة الاقتصادية والبشرية للصراع.
في المقابل، واجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عامًا مثقلًا بالضغوط الداخلية والخارجية. ففي فبراير 2025، أقرّ بأن الحفاظ على الوحدة الوطنية أصبح أكثر صعوبة مع استمرار الخسائر البشرية وأزمة التجنيد.
وأظهرت استطلاعات رأي خلال الربيع ارتفاع نسبة المؤيدين لتسوية تفاوضية، ولو على حساب تنازلات إقليمية، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب.
ورغم تصاعد الانتقادات داخل المؤسسة العسكرية، التي دفعته لإجراء تعديل وزاري شمل وزارة الدفاع، تمسك زيلينسكي علنًا بخطاب متشدد.
وفي مارس 2025، أعلن خطة سلام تشترط انسحابًا روسيًا كاملًا من جميع الأراضي المحتلة منذ 2014، بما فيها القرم، ورفض أي صيغة تفاوضية لا تلبي هذه الشروط.
لكن خلف هذا الخطاب، ظهرت إشارات مرونة فرضها الواقع السياسي، من خلال تقارير غربية تحدثت عن استعداد أوكراني لمناقشة ترتيبات أمنية مؤقتة، تشمل تجميد الصراع مقابل ضمانات غربية، دون اعتراف قانوني بخسارة الأراضي.
وفي الوقت ذاته، أصبح خطاب زيلينسكي أكثر حدة تجاه الحلفاء، منتقدًا تأخر الدعم العسكري والقيود المفروضة على استخدام الأسلحة الغربية.
ومن ناحية أخرى، لعبت التحولات السياسية الغربية دورًا حاسمًا في هذا المشهد، وتحديدًا مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعادت فتح ملف التسوية بشروط أقل تشددًا تجاه موسكو، بينما أبدت عواصم أوروبية كبرى إرهاقًا متزايدًا من حرب الاستنزاف.
في نهاية 2025، بدا المشهد السياسي للحرب أكثر سيولة. روسيا نجحت في تثبيت خطاب صلب مدعوم بمرونة دبلوماسية، بينما وجدت أوكرانيا نفسها مضطرة للتوفيق بين ثوابت معلنة وضغوط متراكمة.
ويرى الخبراء أن الحرب غيّرت حسابات موسكو وكييف جذريًا في 2025، حيث دخلت عامها الرابع دون نصر قريب وأثبتت خطأ التوقعات المبكرة بنصر روسي سريع، مع تحدٍ أوكراني داخل الأراضي الروسية وتمويل أوروبي بـ90 مليار يورو.
في البداية، أكد إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، أن عام 2025 يكاد يكون قد انتهى سياسيًا، في ظل وضع يزداد سوءًا مع مرور الوقت، موضحًا أن الحرب الشاملة التي اندلعت عام 2022 دخلت عامها الرابع دون أي مؤشرات حقيقية على نصر قريب، وهو ما يخالف تمامًا التوقعات السائدة في بدايات الصراع.
وأشار في تصريحات خاصة لـ«إرم نيوز» إلى أن كثيرًا من المراقبين كانوا يعتقدون أن روسيا قادرة على تحقيق نصر سريع خلال شهرين أو 3 أشهر، لكن مجريات الأحداث أثبتت خطأ هذه التقديرات، مؤكدًا أن الواقع الحالي يختلف جذريًا عن تلك التصورات المبكرة.
وقال يواس إن الحديث عن تغييرات جوهرية في موازين القوى لا يزال مبالغًا فيه مقارنة ببداية عام 2025، رغم أن روسيا عززت بعض مواقعها العسكرية وتمكنت من إخراج القوات الأوكرانية من منطقة كورسك، التي كانت موجودة فيها منذ أغسطس 2024.
وشدد مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، في المقابل على أن دخول القوات الأوكرانية إلى الأراضي الروسية، وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، شكّل تحديًا كبيرًا لم تستطع موسكو التعامل معه بسهولة، معتبرًا أن هذه السابقة حملت دلالات سياسية وعسكرية لافتة.
وتطرق يواس إلى قرار الاتحاد الأوروبي تخصيص تمويل بقيمة 90 مليار يورو لأوكرانيا للفترة بين 2026 و2027، معتبرًا أن القرار يعكس أمرين أساسيين، أولهما عدم استعداد بروكسل لاستخدام الأصول الروسية المجمدة، وثانيهما إظهار الجاهزية الأوروبية لمواصلة دعم كييف ماليًا بشكل مباشر.
وأضاف أن الانتخابات الغربية، خاصة في أمريكا التي أحدثت تحولًا كبيرًا في المشهد وانتقلت واشنطن من موقع الحليف الواضح إلى ممارسة ضغوط سياسية متزايدة لدفع أوكرانيا نحو تسوية يعتبرها الأوكرانيون «استسلامًا» يحمل مخاطر وجودية.
وحذر مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، من أن أي تنازل إقليمي لن ينهي الحرب، بل سيقود إلى صراع جديد خلال عام واحد أو أقل، في تكرار لتجربة عام 1938 وتسليم إقليم السوديت.
من جانبه، قال د. نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقوم على رفض وقف إطلاق النار كشرط مسبق للتفاوض.
وأكد المحلل السياسي في تصريحات خاصة لـ«إرم نيوز» أن هذه المقاربة مستوحاة من التجربة الفيتنامية حينما استمرت المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية في باريس بالتوازي مع القتال على الأرض.
واللافت إلى أن بوتين يرى أن تجميد الصراع لا يؤدي إلى حل حقيقي، لأن لروسيا شروطًا واضحة تتعلق بأمنها القومي، وعلى رأسها تحييد أوكرانيا ووقف توسع الناتو شرقًا، ورفض وجود قوات أجنبية على الأراضي الأوكرانية.
وأشار الخبير في الشؤون الروسية إلى أن الرئيس الروسي عبّر بوضوح عن استعداده للحوار من موقع قوة لا ضعف، مؤكدًا أن السلاح لا يزال في يده، وأن القوات الروسية تواصل تحقيق تقدم ميداني يخدم أهداف العملية العسكرية.
وأضاف د. نبيل رشوان، أن الانتخابات الغربية والضغوط الاقتصادية الناتجة عن الحرب بدأت تنعكس على المشهد السياسي الأوروبي، مع صعود قيادات وحكومات أكثر ميلًا لتخفيف التصعيد مع موسكو، مثل روبرت فيتسو في سلوفاكيا، وفيكتور أوربان في المجر، وجورجيا ميلوني في إيطاليا.
ولفت إلى أن الزخم الدولي لم يختفِ، لكن طبيعته تغيرت، حيث تتركز الأنظار حاليًا على مبادرات تفاوضية طويلة الأمد، من بينها الخطة الأمريكية التي طُرحت في عهد الرئيس دونالد ترامب، والتي تُعرض بصيغتها المعدلة على الجانب الروسي.
ورجح رشوان أن ترفض موسكو هذه الخطة، استنادًا إلى تصريحات بوتين الأخيرة التي أكد فيها أن القوات الروسية تتقدم على طول الجبهة وتحقق مكاسب كبيرة، وهو ما يجعل الكرملين في موقع الطرف الأقوى عسكريًا.
وشدد على أن المشهد الحالي ينذر بمفاوضات ممتدة، مع استمرار الحرب ربما حتى منتصف عام 2026، في ظل عجز الغرب عن فرض حل حاسم، واقتصار أدواته على العقوبات والدعم العسكري المحدود.