سانا: قسد تقصف مستشفى الرازي بمدينة حلب
في تحول دراماتيكي من مجرد التحذيرات إلى الاستعداد الفعلي، دخلت أوروبا مرحلة جديدة من التخطيط العسكري والاستراتيجي لمواجهة تهديد روسي محتمل خلال السنوات القليلة المقبلة.
وبحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، بعد ما يقرب من أربع سنوات من الحرب الروسية على أوكرانيا، لم تعد العواصم الأوروبية تكتفي بمراقبة الأحداث من بعيد، بل باتت تعمل على بناء سيناريوهات مفصلة لاحتمالات الصراع المباشر مع موسكو.
"يجب علينا الاستعداد لحرب بحجم تلك التي عرفها أجدادنا أو أجداد أجدادنا"، هذه ليست مجرد عبارة تحذيرية، بل خلاصة تقييم استراتيجي قدمه الأمين العام لحلف الناتو مارك روته في منتصف كانون أول/ ديسمبر.
وذهب مارك روته أبعد من ذلك، داعياً الأوروبيين إلى تخيل "صراع يطال كل منزل، كل مكان عمل، يجلب الدمار والتعبئة الجماعية وملايين النازحين ومعاناة في كل مكان وخسائر فادحة".
هذه التصريحات تعكس تحولاً جوهرياً في التفكير الأوروبي، حيث انتقلت القارة العجوز من محاولات الردع والاحتواء إلى الإعداد الفعلي لسيناريوهات المواجهة. فلأول مرة منذ عقود، تعود الأقسام العسكرية الأوروبية لدراسة فرضيات الحرب التقليدية واسعة النطاق، معتمدة على خلايا تخطيط متخصصة وفرق "أحمر" تحاكي التفكير الروسي، في محاولة لسد الثغرات قبل فوات الأوان.
واكتسح التفكير الاستراتيجي "جميع دوائر السلطة" من الباحثين في مراكز الدراسات إلى المخططين العسكريين وأجهزة الاستخبارات والمسؤولين السياسيين.
وعاد الاستشراف الاستراتيجي ليحتل مكانة بارزة. وتتراكم الفرضيات حول تشكيل موازين القوى بمجرد توقف الصراع في أوكرانيا مؤقتاً. كيف سيهاجم الروس؟ بأي أهداف؟ ما ردود فعل الولايات المتحدة أو الصين؟ هل ستكون فرنسا قادرة على مواجهة ذلك؟
ووفقا لصحيفة "لوفيغارو" لا توجد مؤشرات قاطعة لدى أجهزة الاستخبارات تكشف نوايا الكرملين الحربية. لكن عوامل عدم اليقين لا تمنع الإشارات من أن تكون حمراء ومن وجود احتمالات حقيقية للتصعيد. يصر مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الفرنسية: "أساس دفاعنا يستند إلى تحليلنا للوضع الاستراتيجي". سيناريوهات "الصدام" غير الشاملة أصبحت الآن على الطاولة.
السيناريو الذي يتصور دبابات روسية في طريقها نحو قلب أوروبا هو الأقل احتمالاً. لكن روسيا تمتلك وسائل عديدة أخرى لاختبار صلابة الناتو. بينما يؤكد العسكريون: "هذا هدفها الرئيسي". تنظر موسكو، التي تعتبر الحلف الأطلسي خصمها، إلى إثبات عدم كفاءته السياسية. بينما تضع ذرائع لزيادة التوتر، تبحث عن وسائل لاستغلال المعضلات الغربية. إذا لم يستجب الغرب للتصعيد العسكري، يمكن للكرملين المطالبة بانتصار استراتيجي. لكن إذا عمل بالفعل بموجب المادة الخامسة من الحلف، فيجب توقع مواجهة مسلحة مع جميع مخاطر التصعيد المحتملة.
وقالت الصحيفة، إن الجيش الفرنسي أنشأ أربع عشرة خطة تشكل فرضيات نموذجية. تُبنى السيناريوهات على شكل أدراج، مع تعديل متغير واحد أحياناً فقط. إنها انعكاس لبيئة أكثر تعقيداً، خاصة فيما يتعلق بالدعم الأمريكي.
وللاستعداد الجيد، يجب التفكير على نطاق واسع. داخل القيادة الجديدة للقتال المستقبلي، التي أُنشئت عام 2023 لاستباق تحولات الجيوش وتحليل الصراعات الجارية، تم إنشاء "فريقين أحمرين". تتكون هذه الفرق من خبراء عسكريين ومتخصصين في روسيا، مهمتهم وضع أنفسهم في موقع موسكو لبناء خطط هجوم ضد أوروبا. عليهم إيجاد نقاط الضعف التي يمكن للقيادة العامة سدها لاحقاً.
الفرضيات الرئيسية معروفة وتتغذى من الخطاب الروسي. دول البلطيق تقع في الخط الجغرافي الأول. قد تحاول روسيا مثلاً توغلاً لبضعة كيلومترات داخل الحدود الإستونية، حيث تعيش جالية روسية كبيرة.
ولفتت إلى أن الجيش الروسي سيواجه سريعاً القوات البريطانية والفرنسية المكلفة بمهمة الطمأنة للناتو في إستونيا. لتجنب ذلك، قد تميل لمهاجمة لاتفيا حيث يُنشر الجيش الكندي. أو ربما تريد الاستيلاء على ممر سوالكي بين ليتوانيا (حيث تتمركز القوات الألمانية) وبولندا لربط جيب كالينينغراد.
لكن هل هذه السيناريوهات متوقعة للغاية؟ خيارات أخرى غير دول البلطيق في متناول الكرملين. يؤكد خبير في الموضوع: "سيضرب حيث يؤلم ذلك". قد تكثف روسيا ضغطها في أقصى الشمال. تتخيل الدول الإسكندنافية محاولة للطعن في الوضع الخاص لأرخبيل سفالبارد. ما لم تستهدف موسكو مولدوفا التي ليست في الاتحاد الأوروبي ولا في الناتو، لكن زعزعة استقرارها ستشكل تحدياً خطيراً لرومانيا.
ومن الناحية اللوجستية، سيكون من الصعب عليها دعم عملية بعيدة عن أراضيها. للتغلب على صعوبة عملية برية، قد يسعى الكرملين لتحدي الغربيين في مكان آخر، في البحر مثلاً. أو ربما يجب النظر نحو السماء، بل نحو الفضاء الخارجي، حيث تعلمت الأقمار الصناعية الروسية المناورة بشكل عدائي. من المفترض أن تستطيع عملية هجينة تفعيل المادة الخامسة من الناتو. لكن هل سيتبع الحلفاء إذا لم تكن نسبة الهجوم واضحة كما في حالة الغزو؟
ويقول مسؤول في أوروبا: "التحدي هو حث الجيوش على التفكير في أمور أكثر تعطيلاً"، مضيفا: "يجب البحث عن النقاط العمياء، ومراقبة الإشارات الضعيفة. نركز على 'الحمر'، لكن يجب أيضاً النظر إلى 'الزرق' ونقاط ضعفهم".
وأوضح، أن الاختبار الذي تفرضه روسيا سيضع أيضاً الإرادة السياسية للدول على المحك، وهو ما يجب الاستعداد له أيضاً. لهذا السبب دمجت المفوضية العليا للتخطيط فرضية الحرب في أعمالها. يجب أن تقدم العام المقبل تقريراً عن "فرنسا في عامي 2035 و2050"، فرنسا التي قد تكون في حالة حرب.
من جانبه، يعترف المفوض السامي كليمان بون: "في مجتمع ستنخفض فيه القوى العاملة، حيث سيكون من الضروري تمويل التحول البيئي، وزيادة الاستثمارات الدفاعية والوفاء بأهداف الديون، سيتعين تحمل جهود غير مسبوقة على النفقات الأخرى". للاستعداد للخيارات، يجب توقع جميع السيناريوهات.