قال خبراء إن استقبال رئيس الوزراء فرانسوا بايرو لزعماء اليمين المتطرف، جوردان بارديلا ومارين لوبان في مقر الحكومة بقصر ماتينيون، قبيل تصويت حاسم على الثقة، يثير تساؤلات جدية حول ما إذا كان بايرو يلجأ لليمين المتطرف كخطة أخيرة لإنقاذ حكومته.
واعتبر الخبراء أن الخطوة تعكس مرحلة غير مسبوقة من التجاذب السياسي في فرنسا، حيث يبدو أن الحكومة تبحث عن أي منفذ للبقاء في السلطة حتى وإن كان عبر مخاطبة اليمين المتطرف.
بايرو، الذي يواجه تصويتاً قد يطيح بحكومته، حاول خلال الأيام الماضية الإشارة إلى انفتاح محدود على مناقشة بعض بنود الإنفاق المرتبطة بالهجرة، في خطوة وصفت بأنها إشارة ضمنية تجاه حزب التجمع الوطني.
غير أن مراقبين رأوا في ذلك محاولة متأخرة، بل وربما "مقامرة خاسرة"، في ظل موقف متشدد من بارديلا ولوبان اللذين جددا مطالبتهما بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وقالت نونا ماير، الباحثة الفرنسية المتخصصة في علم الاجتماع السياسي والحركات اليمينية المتطرفة بمعهد الدراسات السياسية في باريس إن استدعاء بارديلا ولوبان ليس محاولة لحوار مدني، بل هو "بالضبط ما يريده اليمين المتطرف: الشرعية".
وأكدت ماير لـ"إرم نيوز" أن اللقاء يمثل "انتصاراً رمزياً" لليمين المتطرف، قائلة:" هذه الخطوة تمنح حزب التجمع الوطني شرعية سياسية كان يسعى إليها منذ سنوات.
وأضافت ماير أنه "بالنسبة للناخبين التابعين لحزب التجمع الوطني، فإن الهجرة ليست مجرد قضية هوية، بل مسألة اجتماعية واقتصادية بالأساس، تسهم في شعورهم بصراع على الوظائف والخدمات. هذا اللقاء يعطيهم صوتاً رسمياً ويدعم روايتهم بكونهم الطرف الذي يُعتدى عليه".
وحذرت من أن هذه اللقاءات تعزز من "شرعية تطبيع يميني متطرف" داخل النظام السياسي، خصوصاً عندما يصور الحزب نفسه كـ"ممثل شرعي لعشر ملايين ناخب"، وهي رسالة قوية قد تترسخ إذا تم تجاهلها في السياسة الرسمية.
بدوره، قال جان-إيف كامو، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الحركات القومية الأوروبية إن بايرو يحاول "إعادة تعريف اللعبة" وليس مجرد تحقيق توافق، معتبراً أن بايرو ارتكب خطأ استراتيجياً".
وأضاف الباحث السياسي الفرنسي لـ"إرم نيوز" أن "فتح قنوات مع لوبان وبارديلا يعكس ضعفاً أكثر منه براعة سياسية، فهو يبعث رسالة بأن الحكومة مستعدة للتخلي عن مبادئها من أجل البقاء، هذا لن يغيّر موقف التجمع الوطني من حجب الثقة، بل سيعزز صورة الحكومة كرهينة للخطاب الإقصائي".
وأوضح أن هذا التحول يعكس إدراكاً متأخراً بأن رفض الوزراء اليمينيين سيؤدي حتماً لسقوط الحكومة. لكن استدرار تأييدهم لا يضمن نجاحاً؛ بل قد يعزز صورة الحكومة بأنها رهينة لسياسات إقصائية، وهو ما يضر بالمصداقية الجمهورية.
ودعا بايرو إلى تصويت ثقة عام، وسط رفض واسع من أحزاب اليمين واليسار لميزانيته التقشفية، بما في ذلك رفع الضرائب وإلغاء أيام عطلة رسمية، مما أدى إلى ارتفاع عبء الديون الفرنسية وانخفاض الثقة في الأسواق المالية.
وأوضح كامو أن اليمين المتطرف، بقيادة حزب التجمع الوطني، يرفض بشدة دعم الحكومة، ويهدد بالتصويت ضدها، بل ويطالب بحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.
ووفقاً للباحث السياسي الفرنسي فإن التوتر السياسي أثّر سلباً على الاقتصاد؛ حيث شهدت أسواق باريس اضطراباً نتج عنه قفز في العائدات الحكومية الطويلة الأجل.
ورأى كامو أن اجتماع الحكومة الفرنسية بزعماء اليمين المتطرف يعكس ضعفاً استراتيجياً، إذ إن بناء أي تسوية مع القوى المناهضة للامبراطورية الجمهورية قد يُبقي البلاد تحت ظل الانقسامات، وليس جسراً لحلول مستقرة.
كما اعتبر كامو أن قرار بايرو استضافة رموز اليمين المتطرف ليس مجرد حدث عابر؛ بل هو مؤشر على أن المرحلة السياسية في فرنسا دخلت منعطفاً خطيراً، حيث السياسة لم تعد فقط تنافساً انتخابياً، بل لعبة بقاء تُختبر فيها الرموز الجمهورية.
والأزمة السياسية في فرنسا اندلعت بسبب مشروع ميزانية تقشفية تتضمن تجميد معاشات ورفع ضرائب، ما أثار رفضاً من أحزاب المعارضة يميناً ويساراً.
ودخلت الأسواق المالية الفرنسية في دوامة اضطراب، مع قفزة في عوائد السندات الحكومية، وسط تحذيرات من "كارثة على طريقة ليز تراس" البريطانية، فيما يصر اليمين المتطرف على أن "الحل الوحيد ديمقراطياً" هو حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة تمنح شرعية برلمانية لموازنة جديدة.