انطلق رئيس الوزراء الفرنسي الجديد، سيباستيان ليكورنو، في مهمته الشاقة التي تبدأ بإيجاد أرضية مشتركة لتمرير ميزانية متوافق عليها قبل نهاية العام، على "حبل مشدود"، باجتماعات سرية شملت زيارة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي لحشد دعم النواب الجمهوريين.
المهمة المنوطة برئيس الوزراء الجديد، أمامها جملة من التحديات المعقدة، فالثقة بين الأطراف السياسية والنقابات تكاد تكون منعدمة، والجميع يترقب خطواته بحذر.
تقرير لصحيفة "لوموند"، كشف أن ليكورنو قام بجمع قادة من الماكرونيين وحزب الجمهوريين (LR)، في إفطار عمل بمقر رئاسة الوزراء، محذرًا من تسريب أي تفاصيل قد تعرقل المفاوضات.
وفي خطوة ذكية، على حد وصف تقرير الصحيفة، زار ليكورنو أيضا الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي لضمان دعم النواب الجمهوريين، الذين يحتاجهم بشدة لتجنب الانشقاقات في البرلمان. لكن التحدي الأكبر وفق مراقبين يأتي من النقابات واليسار.
ويميل حزب الخضر وبعض النواب اليساريين إلى رفض أي تعاون مع حكومة تضم شخصيات يمينية مثل برونو ريتايو.
وأعلن ليكورنو يوم الأربعاء في خطوة أثارت الجدل عن "قطيعة مع الماضي". ووفق مراقبين فضل رئيس الوزراء في أول اختباراته التحرك بهدوء ودون الكشف عن خططه قبل استماعه لجميع الأطراف.
ورأى تقرير الصحيفة الفرنسية أن مهمة ليكورنو لن تكون سهلة، حيث إن النقابات، مثل الـ CFDT، رفضت فكرة إعادة فتح نقاشات حول إصلاح التقاعد الذي يرفع سن التقاعد إلى 64 عامًا، بعد أن وصفتها بـ"الفاشلة".
وتطالب النقابة بتعليق هذا الإصلاح، مشيرة إلى أن الثقة تهتز بسبب وعود فرانسوا بايرو السابقة التي لم تُنفذ. ومن جهة أخرى، تهدد المعارضة اليسارية واليمينية المتطرفة بالتصويت ضد الحكومة، بل وتلوح بإمكانية عزل الرئيس نفسه.
وترى المعارضة الآن في وعود "التغييرات الجوهرية"، مجرد كلمات براقة تواجه جدارًا من الشكوك بسبب أزمات الحكومات السابقة.
ويحاول ليكورنو الآن بعد أن كان وزيرا للدفاع في وقت سابق كسب الثقة، ويدرك أن استعادتها بمثابة "أولوية قصوى".
وكي ينجح، والكلام هنا لصحيفة "لوموند"، بدأ رئيس الوزراء الفرنسي الجديد بمحاولة توحيد الأحزاب المركزية واليمينية في "قاعدة مشتركة".
وفي الإطار ذاته، تخطط النقابات لإضراب كبير يوم 18 سبتمبر ضد تخفيضات الميزانية، بينما الحزب الاشتراكي (PS) يرفض تكرار تجربة بايرو المخيبة للآمال.
من جهتهم، يطالب الاشتراكيون بميزانية بديلة تشمل ضرائب على الثروات الكبيرة وتخفيض التوفير المطلوب من 44 إلى 22 مليار يورو.
أما بعض الماكرونيين يرون أن تنازلات ضريبية قد تكون الحل لتهدئة الاشتراكيين، لكن هذا قد يغضب اليمين.
واليسار، بقيادة شخصيات مثل باتريك كانر وفابيان روسيل، يضع شروطًا صعبة. وروسيل، الذي التقى ليكورنو قبل أيام، حذر من "غضب شعبي" أقوى من أي وقت مضى.
وبحسب مراقبين، فإنه حتى الخضر وبعض النواب اليساريين يميلون إلى رفض أي تعاون مع حكومة تضم شخصيات يمينية مثل برونو ريتايو.
وفي خطوة تعكس حجم التوتر الذي تشهده فرنسا، وقّع 104 نواب، بينهم خضر وشيوعيون، على اقتراح لعزل ماكرون، وهو ما يعكس تصاعد الإحباط.
وسط كل هذه الفوضى على حد تعبير مراقبين، يحاول ليكورنو كسب الوقت والدعم، حيث يُنتظر خطابه العام المرتقب في 2 أكتوبر الذي سيكون بمثابة لحظة حاسمة على أحر من الجمر.
وتؤكد وسائل إعلام فرنسية، أن الحكومة قد تواجهها عقبة جديدة مع ترقب تصنيف وكالة "فيتش" المنتظر اليوم الجمعة، إذا جاء التقييم سلبيًا.
وفي النهاية، يقول البعض إن ليكورنو يبدو كمن يمشي على حبل مشدود، محاولًا إرضاء الجميع في بلد منقسم ينتظر تغييرًا حقيقيًا. لكن السؤال يبقى: هل سينجح في كسر دائرة عدم الثقة، أم سيكون مصيره كسابقيه؟