تتجه الأنظار في عام 2025 إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تتقاطع أزمة المياه مع أزمات السياسة والاقتصاد والمناخ لتشكّل واحدة من أكبر التحديات الوجودية للدول والشعوب. فالمياه لم تعد مجرد مورد طبيعي نادر، بل تحولت إلى ورقة ضغط سياسية وسبب مباشر للتوترات، بل وحتى الحروب.
ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة وتزايد موجات الجفاف وتراجع التدفقات المائية في الأنهار الرئيسة، يجد صانعو القرار أنفسهم أمام سؤال مصيري: هل ستكون المياه في السنوات المقبلة سبباً لموجات جديدة من النزوح والاضطرابات، أم فرصة لإرساء التعاون وبناء جسور للسلام؟
في هذا السياق، استعرض تقرير لمنصة ”Green Prophet“، المتخصصة في قضايا البيئة والاستدامة والطاقة النظيفة، أبرز بؤر التوتر المائي التي يُرتقب أن تحتل واجهة المشهد في المنطقة خلال عام 2025، محدداً ثلاثة أحواض رئيسة مرشحة لأن تكون مسرحاً لصراع أو تعاون: النيل، والأردن، ودجلة–الفرات، إلى جانب أثر تغيّر المناخ بوصفه "مضاعفا للتهديدات" يزيد الأوضاع هشاشة.
أشار التقرير إلى أن النزاع الممتد حول سد النهضة الإثيوبي يدخل مرحلة حاسمة، بعدما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في يوليو 2024 اكتمال بناء السد، مع خطط لافتتاحه رسمياً في سبتمبر 2025. ولا تزال مصر والسودان تطالبان باتفاق مُلزم حول تشغيل السد، إذ إن تدفق مياه النيل يشكل مسألة حياة لملايين السكان في دول المصب.
استعرض التقرير وضع نهر الأردن الذي كان يوماً ما من أهم أنهار بلاد الشام، لكنه تقلّص اليوم بفعل الجفاف وسوء الاستخدام والنمو السكاني. وبينما تخوض إسرائيل والأردن والأراضي الفلسطينية مفاوضات دقيقة بشأن حصص المياه، يرى الموقع أن مبادرات إقليمية مثل جهود "أصدقاء الشرق الأوسط" تقدم أمثلة على إمكانية تحويل المياه إلى أداة للسلام بدلاً من الصراع.
لفت التقرير إلى أن مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP) في تركيا، والذي يتضمن أكثر من 22 سداً و19 محطة كهرومائية، أعاد تشكيل مجرى دجلة والفرات بشكل كبير، مما أدى إلى تقليص التدفقات نحو سوريا والعراق. وأفاد بأن العراق خسر أكثر من 60% من تدفق الفرات خلال العقدين الماضيين، بينما يعاني نهر دجلة من انحسار مقلق، الأمر الذي يهدد استقرار دول هشة أصلاً.
وأوضح ”Green Prophet“ أن التغير المناخي يضاعف من حدة أزمة المياه في المنطقة، عبر ارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام الأمطار وتكرار موجات الجفاف. واستشهد بأمثلة مثل احتجاجات خوزستان في إيران، والتحديات التي تواجه دولاً ما بعد النزاعات مثل ليبيا واليمن، محذراً من أن ندرة المياه قد تعجّل بموجات هجرة جديدة.
رغم الصورة القاتمة، يرى التقرير أن فرص التعاون لم تُستنفد بعد. ورغم تعثر مشروع قناة البحرين الأحمر–الميت منذ عام 2021، فإنه يمثل نموذجاً على إمكانية نجاح مبادرات إقليمية مستقبلية لتقاسم المياه.
وختم ”Green Prophet“ تحليله بالقول إن ندرة المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمثل اختباراً جيوسياسياً حاسماً: فإما أن تختار الدول التنافس على آخر ما تبقى من الموارد، أو أن تتبنى التعاون لضمان أمنها المشترك. وسيكون عام 2025 مفصلياً في تحديد ما إذا كانت المياه ستصبح سبباً للحرب أم جسراً للسلام.