تتفاقم أزمة المياه في العراق يومًا بعد آخر، وسط مخاوف من انهيار الأمن الغذائي وتزايد الهجرة الداخلية، في ظل تراجع حاد بالإطلاقات المائية من تركيا وإيران، وغياب حلول ناجعة رغم الوعود الحكومية المتكررة.
ومنذ أشهر، يسعى العراق للحصول على حصته المائية المتكاملة من الجانب التركي، إلا أن المفاوضات لم تحقق تقدمًا ملموسًا، إذ تكتفي أنقرة بتحسينات محدودة لا تتناسب مع حجم الاحتياجات العراقية.
وأثار النائب عن ائتلاف دولة القانون حسين مردان جدلًا واسعًا بتصريحاته الأخيرة، حينما دعا إلى قصف السدود التركية بوساطة الطائرات المسيّرة، معتبرًا أن جميع الحلول السياسية والدبلوماسية استنفدت، وأن تركيا تمارس "مماطلة واضحة وعدم التزام بالاتفاقات المبرمة" مع العراق.
وبدوره، قال الباحث في مجال الموارد المائية تحسين الموسوي إن "الجهات الرسمية لم تكن تتوقع أن تتعسف تركيا إلى هذا الحد في ملف المياه، رغم أن خبراء مستقلين حذروا مبكرًا من هذه الأزمة".
وأضاف الموسوي لـ"إرم نيوز"، أن "الإطلاقات المائية القادمة من تركيا تكاد تكون صفرًا، إذ لا تتجاوز في أفضل الأحوال 50 إلى 80 مترًا مكعبًا، وهو رقم لا يسد الحاجة ولا يغطي حتى البدع الزراعية"، مشيرًا إلى أن "الخطة الصيفية توقفت كليًا بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والتبخر".
ويمتلك العراق حاليًا ما يقارب ثمانية مليارات متر مكعب من المياه فقط، وهو ما يمثل نحو 8% من القدرة الخزنية الكلية للسدود والخزانات العراقية، البالغة طاقتها الاستيعابية نحو 100 مليار متر مكعب.
وتظهر البيانات أن الاستهلاك الفعلي يتجاوز ضعف الإيرادات الحالية، ما يخلق فجوة خطيرة بين الموارد والمتطلبات.
وتشير التقديرات إلى أن التدفقات عبر دجلة والفرات انخفضت إلى ما دون 200 متر مكعب/ثانية، في وقت يحتاج فيه العراق إلى أكثر من 900 متر مكعب/ثانية لتأمين مياه الشرب والزراعة.
أما التدفقات الإيرانية فقد انقطعت بشكل شبه كامل، بعد توقف جريان نهر الكارون نحو شط العرب، ما فاقم الملوحة ورفع كلفة المعالجة.
وأكد وزير الموارد المائية، عون ذياب، أن العراق يواجه "أزمة مائية حادة"، موضحًا أن الموقع الجغرافي للعراق جعله أكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي والانحباس الحراري، إلى جانب اعتماده على مصادر مائية خارج حدوده.
وأضاف في تصريحات صحفية، أن "70% من موارد العراق تأتي من تركيا، وأن مشاريع الري التي شيدتها أنقرة أثرت بشكل مباشر على حصة العراق".
وبيّن الوزير أن "الخزين المائي المتوفر لا يتجاوز 8% من الطاقة الكلية، وأن خططًا دقيقة وضعت لتمديد عمره حتى موسم الأمطار المقبل"، مشيرًا إلى أن "الحكومة لجأت إلى تقنيات حديثة مثل الري بالرش والتنقيط والتسوية الليزرية للأراضي، ما وفر قرابة 30% من المياه وزاد الغلة الزراعية".
من جانبه، رأى الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي أن "العراق مطالب بتفعيل الدبلوماسية المائية بشكل أوسع، وعدم الاكتفاء بالمسار التفاوضي التقليدي مع تركيا"، مشيرًا إلى أن "بغداد تمتلك أوراق ضغط اقتصادية وتجارية يمكن استخدامها لضمان التزام أنقرة بحصص عادلة، وفق القوانين والمعاهدات الدولية".
وأضاف الركابي لـ"إرم نيوز"، أن "المرحلة المقبلة تتطلب تنسيقًا أوثق مع المجتمع الدولي ومجلس الأمن، وربط الملف المائي بالعلاقات التجارية والاقتصادية بين العراق وتركيا، بما يضع حدًا للمماطلة ويضمن تدفق المياه بشكل منصف ومعقول".
ووفق التقديرات الرسمية، يدخل العراق حاليًا 40 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، إلا أن سوء الإدارة وقدم الأساليب الزراعية يؤديان إلى هدر كميات ضخمة.
وتشير توقعات دولية إلى أن حصة الفرد العراقي قد تنخفض إلى 479 مترًا مكعبًا سنويًا بحلول 2030، أي أقل بكثير من معيار منظمة الصحة العالمية البالغ 1700 متر مكعب.