وضعت المظاهرات الحاشدة في العاصمة الليبية طرابلس المجلس الرئاسي الليبي في موقف صعب، على خلفية منحه مهلة حتى يوم الأحد، للاستجابة لمطالب المحتجين الذين دعوا إلى إقالة رئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة من منصبه.
وشهد ميدان الشهداء في طرابلس خروج عشرات الآلاف في "جمعة الحسم"، احتجاجًا على الفساد، ومطالبة بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة وبقية الأجسام الحاكمة في ليبيا، حيث رفع المتظاهرون لافتات تطالب بجعل هذه الخطوة أولوية لاستقرار البلاد.
وأمهل المحتجون، في بيان صدر عنهم، المجلس الرئاسي حتى صباح الأحد لتولي مسؤولية إدارة البلاد، كما دعوا إلى إعداد دستور دائم وإجراء الانتخابات في موعد أقصاه 25 يوليو/تموز المقبل.
ورغم تجاهل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لتلك المطالب بشكل مباشر، فإنه عبّر عن فخره بما وصفه بـ"المشهد الحضاري"، في تعليق على المظاهرات التي شهدتها طرابلس.
وقال المنفي، عبر حسابه على منصة "إكس" يوم السبت: "نفخر بالمشهد الوطني الحضاري الذي قدّمه أبناء شعبنا في العاصمة، عبر العودة إلى حق التعبير السلمي والمسؤول عن تطلعاتهم"، داعيًا الليبيين إلى "مواصلة التعبير السلمي الراقي في مختلف المدن من أجل بناء دولة عصرية تعبّر عن آمال الجميع".
وبرز تباين في المواقف داخل الساحة السياسية الليبية بشأن مطالب المتظاهرين، إذ اعتبر رئيس حزب "نبض الوطن" الليبي، الحمري الشاوش، أن مظاهرات الجمعة لم تكن بحجم الأسبوع الماضي من حيث كثافة الحضور، غير أنه انتقد عدم واقعية بعض المطالب، معتبرًا أن "إدخال البلد في حالة فراغ حكومي أمر مقلق، إذ إن الحكومة تتحمل مسؤوليات خدمية أساسية تتعلق بتوفير الاحتياجات اليومية للمواطنين".
وقال الشاوش لـ"إرم نيوز" إن فكرة تشكيل حكومة بديلة بشكل عاجل تبدو سهلة نظريًا، لكنها صعبة ومعقدة على أرض الواقع، نظرًا إلى خصوصية الانقسام السياسي والمحاصصة حتى داخل المنطقة الغربية.
ورأى أن هذه "المظاهرات ستكون مفيدة في إيصال رسالة إلى البعثة الأممية بضرورة التسريع في تنفيذ مبادرتها السياسية".
وأضاف أن الاحتجاجات "تشكل ضغطًا على الأطراف المحلية، وتدفعها نحو التعاطي الإيجابي مع مقترحات حل الانسداد السياسي".
في المقابل، يرى السياسي الليبي سليمان البيوضي أن عهد عبد الحميد الدبيبة انتهى، مشيرًا إلى أن التباين الحاصل حاليًا يتعلق بالإرادة الوطنية المطالِبة بالخلاص الفوري، مقابل موقف دولي يراهن على التهدئة وإنهاء الحكومة عبر حوار سياسي متعدد المسارات يستند إلى القرار 2755.
وأضاف البيوضي، لـ"إرم نيوز"، أن موقف البعثة الأممية والمجتمع الدولي أصبح متقدمًا جدًا في اتجاه إنهاء الانسداد السياسي وتوحيد السلطة التنفيذية في ليبيا، معتبرًا أن حكومة الدبيبة "انتهت فعليًا ولم تُمنح أي فرصة للاستمرار".
وأوضح أن انعدام الثقة بين الأطراف الليبية يعزّز من دور البعثة الأممية كضامن وحيد، رغم بطئها في التحرك ضمن المسار السياسي، لكنه أشار إلى أن استمرار التظاهر قد يدفعها لإطلاق عملية سياسية عاجلة.
وتابع أن "استمرار التظاهر هو السلاح الأقوى بيد الليبيين، ويمكن تطويره لما هو أبعد من إسقاط الحكومة، ليشمل التعامل مع تلكّؤ المجتمع الدولي" وفق قوله.
وأضاف أنّ "أقصر الحلول في ظل هذه التعقيدات قد يكون عبر توافق محلي ودولي، فإما أن يصدر المجلس الرئاسي مرسومًا بإقالة الدبيبة استجابة للمحتجين وتكليف أحد وزرائه بتصريف الأعمال، أو أن يقدم استقالته طوعًا تمهيدًا لتشكيل حكومة موحدة وممثّلة للجميع".
وكانت تصريحات رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حانا تيتيه، قد أثارت الكثير من التكهنات، حين أكدت أن الاعتراف الدولي لا يزال قائمًا بحكومة الوحدة، رغم الإقرار بانتهاء ولايتها وتراجع شعبيتها.
واعتبرت أن المضي في تغيير الحكومة دون توافق أو شرعية واضحة سيؤدي إلى "مزيد من الانقسامات"، داعية جميع الأطراف الليبية إلى "التحلي بالمسؤولية الوطنية وتغليب الحوار على التصعيد".