المستشار الألماني: سنزيد الضغط عبر العقوبات إذا واصلت روسيا المماطلة بشأن وقف إطلاق النار
أظهر استطلاع للرأي لمجلة "السياسة الدولية" الألمانية، أن غالبية الألمان يؤيدون الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، رغم الموقف الرسمي الرافض لهذه الخطوة من الحكومة الألمانية.
وأجرت مؤسسة "فورسا" لصالح المجلة استطلاعًا حديثًا شمل مقابلات مع 1001 مشارك، كشف عن تباين واضح في مواقف الألمان بحسب الفئات العمرية والجغرافية والانتماءات السياسية.
من اللافت في الاستطلاع أن نسبة التأييد كانت الأعلى بين الشباب (60% من عمر 18 إلى 29 عامًا)، وكذلك بين كبار السن (58% فوق 60 عامًا)، مع فارق جغرافي بسيط بين ألمانيا الشرقية (59%) وألمانيا الغربية (53%).
أما على الصعيد السياسي، فقد عبّر 85% من مؤيدي حزب اليسار عن تأييدهم للاعتراف بدولة فلسطين، تلاهم مؤيدو حزب الخضر (66%) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (52%)، في المقابل، كانت نسب التأييد أقل بين مؤيدي الحزب الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي (48%) وحزب البديل (45%).
وتلعب وسائل الإعلام الألمانية دورًا محوريًا في تشكيل الوعي الجماهيري حول القضية الفلسطينية، عبر تغطيات تركز على الأبعاد الإنسانية وحقوق الإنسان، ما يعزز تعاطف الجمهور مع الفلسطينيين، لا سيما بين الشباب.
وأشارت دراسة لمركز "براندنبورغ لأبحاث الإعلام" لعام 2023، إلى أن الإعلام يعكس بوضوح معاناة الفلسطينيين، ما يؤثر على توجهات الرأي العام الألماني.
إلى جانب ذلك، تلعب منظمات حقوق الإنسان مثل "مبادرة السلام الألمانية" و"الشبكة الألمانية لدعم حقوق الفلسطينيين" دورًا فاعلًا في نشر الوعي وتنظيم حملات تضامنية، ما يزيد الضغط الشعبي على الحكومة الألمانية لتبني مواقف أكثر دعمًا لفلسطين.
في هذا الإطار، أكد الباحث في العلاقات الدولية بجامعة هامبورغ، الدكتور توماس كولر، أن "هذه المنظمات تشكل جسرًا بين الواقع الميداني وقلب الرأي العام الألماني، من خلال كشف الانتهاكات التي لا تظهر في الخطاب الحكومي الرسمي".
ورغم هذا الدعم الشعبي، فإن الحكومة الألمانية تبقى متمسكة بسياسة تقليدية ترتكز على التضامن التاريخي مع إسرائيل، مدفوعة بشكل كبير بالإرث الثقيل للهولوكوست، وهو ما يعزز روابط أخلاقية وسياسية مع تل أبيب.
وقال الباحث السياسي والخبير في السياسة الدولية، دينيس م. بيرغر، إن "التاريخ الألماني يشكل عبئًا ومحددًا في السياسة الخارجية لبرلين، إذ إن الحكومة الألمانية تحرص على عدم المساس بالعلاقة مع إسرائيل، حتى لو كان هذا يتناقض مع مطالب الرأي العام المتزايدة للاعتراف بدولة فلسطين".
ومع ذلك، هناك أصوات بارزة داخل التحالف الحاكم تدعو إلى مراجعة السياسة الرسمية، فالنائب البارز في الحزب الديمقراطي المسيحي، نوربرت روتغن، طالب الحكومة بالسماح بالمشاركة في عقوبات أوروبية محتملة ضد إسرائيل في حال استمرار سياساتها في قطاع غزة، معتبرًا أن أوروبا وألمانيا معرضتان لخطر فقدان دورهما السياسي في الشرق الأوسط إذا استمر الانقسام الأوروبي في الموقف من القضية الفلسطينية.
لكن روتغن يرفض الاعتراف بدولة فلسطينية، مؤكدًا أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع السياسية وتشجيع حركة "حماس" على رفض وقف إطلاق النار، وبالتالي إضعاف التأثير الألماني على إسرائيل.
في الوقت نفسه، وفي ظل تصاعد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين من قبل نحو ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة، وابتعاد دول أوروبية كفرنسا وبريطانيا عن النهج الألماني الرسمي، تواجه برلين خطر العزلة السياسية والدبلوماسية.
ويوضح بيرغر أن "التمسك بسياسة الماضي على حساب التوجهات الحديثة يعرض ألمانيا لخطر فقدان دورها كوسيط مؤثر في الشرق الأوسط، ويضعها في عزلة داخل المجتمع الدولي والديمقراطيات الغربية".
من الناحية القانونية الدولية، لا يحمل الاعتراف بدولة فلسطين أي تبعات مباشرة جوهرية، إذ يُنظر إليه في الغالب كخطوة رمزية.
ووفقًا لبحوث أُجريت من قبل قناة "ZDF" الألمانية، فإن الاعتراف لا يعني بالضرورة حصول الفلسطينيين على تمويل إضافي أو زيادة في الحقوق على الأراضي.
ومع ذلك، فإن الاعتراف بدولة فلسطين ليس خطوة معزولة سياسيًا، بل قد يُحدث ديناميكية جديدة في النزاع، حيث ترى الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، مورييل أسبورغ، أن هناك موجة ثالثة من الاعترافات بدأت في الآونة الأخيرة، مشيرة إلى أن الحالة الحالية في المنطقة أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى منذ اعترافات 1988 و2011.