لجأت الجزائر إلى القوة الناعمة من خلال المراهنة على الدبلوماسية الدينية لحل أزمتها مع دول الساحل الأفريقي الثلاث؛ مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي تفجرت معها أزمة على خلفية إسقاط الجيش الجزائري طائرة مسيرة مالية اخترقت حدود البلاد.
وأدى الخليفة العام للطريقة التيجانية ذات الحضور القوي في منطقة الساحل الإفريقي، سيدي علي بلعرابي، زيارة إلى الساحل دشنها ببوركينا فاسو التي التقى فيها مسؤولين حكوميين بحث معهم "دعم التآخي بين البلدين".
طابع رسمي
ويأتي هذا التطور بعد أسابيع قليلة من إسقاط الجيش الجزائري طائرة مسيرة مالية؛ ما تسبب في توتر دبلوماسي كبير تمثل في سحب مالي وبوركينا فاسو والنيجر سفراءها من الجزائر، في خطوة ردت عليها الحكومة الجزائرية بالمثل.
وعلق المحلل السياسي الجزائري، صابر البليدي، على الأمر بالقول: "تعد الجزائر من أكبر دول المنطقة في احتضان المدارس الصوفية على غرار التيجانية والقادرية والرحمانية والبلقايدية، التي شكلت منذ عهود سابقة مرجعية روحية واجتماعية وحتى سياسية".
وتابع البليدي لـ"إرم نيوز"، أن "احتضان بعض المدن والبلدات للمقار العامة يعتبر نقطة انطلاق وتوجيه لامتدادات الطريقة التيجانية التي تصل شرقا إلى ليبيا وغرب أفريقيا ودول الساحل جنوبا".
وأكد أن "زيارة شيخ الطريقة التيجانية إلى بوركينا فاسو تحمل رسائل ودلالات سياسية واستراتيجية في ثوب النسيج الروحي الذي يربط المقر المركزي بأتباعه في المنطقة، كونها تتزامن مع تداعيات حادثة الطائرة المسيرة، وتبادل الطرفان الجزائري وحكومات الساحل خطوات تصعيدية كسحب السفراء وغلق المجال الجوي".
وأنهى البليدي حديثه بالقول، إن "الزيارة حملت طابعا رسميا من خلال لقاءات شيخ الطريقة مع مسؤولين بوركينابيين، ولا يستبعد أن تكون خطوة لتخفيف التوتر بين الطرفين، وتأكيد الأطراف الفاعلة في المنطقة، على أن علاقات الجزائر مع دول الساحل تحمل طابعا اجتماعيا وروحيا عريقا، يتجاوز حدود التجاذبات السياسية وصراع النفوذ والمصالح".
إجراءات ملموسة
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين مالي والجزائر متوترة أصلاً، لكن زيارة بلعرابي تثير تكهنات بشأن مصير العلاقات مع النيجر وبوركينا فاسو باعتبار أنها كانت هادئة في السابق.
وقال المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية، قاسم كايتا، إن "على الأرجح تنتظر دول الساحل الثلاث إجراءات ملموسة من الجزائر لإعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي، وهذا ما تروج له المجالس العسكرية الحاكمة في هذه الدول، التي ترى أن الحكومة الجزائرية تجاوزت خطوطاً مثل التدخل في شؤونها عبر استضافة معارضين أو المساس بمعداتها العسكرية مثل حادثة المسيّرة الأخيرة".
وأضاف كايتا في تصريح لـ"إرم نيوز"، "في اعتقادي التطورات الأمنية في المنطقة تفرض على هذه الدول الكف عن التصعيد الدبلوماسي، ويبدو أن زيارة بلعرابي تهدف إلى هذا الأمر وهي خطوة ربما تكون إيجابية من الجزائر، لكن يجب أن تقترن بتفاهمات أوسع لمنع تكرار أي تصعيد".