أثار قرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تجميد عمل قواته "سرايا السلام" وإغلاق مقراتها في محافظتي البصرة وواسط لمدة ستة أشهر، موجة قراءات سياسية متباينة بشأن طبيعة تعاطي التيار مع المرحلة المقبلة، ولا سيما في ظل تعقيدات المشهد السياسي العراقي بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، واستمرار غياب التيار عن معادلة تشكيل الحكومة الجديدة.
ويأتي هذا القرار، الذي برره الصدر بوجود "خروق وإساءات متكررة لسمعة المجاهدين"، حتى وإن كانت من طرف ثالث، في توقيت مهم تتقاطع فيه الاستحقاقات الدستورية مع تصاعد القلق الشعبي من مسار العملية السياسية برمتها.
وأعاد القرار إلى الواجهة موقع التيار الصدري وحدود دوره خلال المرحلة المقبلة، بين البقاء خارج المؤسسات الرسمية، أو التحرك وفق شروط سياسية وإصلاحية محددة.
وجاء قرار الصدر بعد تداول مقطع فيديو يظهر تعرض مدير شعبة بلدية "المعقل" في البصرة لاعتداء بالضرب، إثر تنفيذ قرار بهدم منزل يعود لأحد أئمة الحسينيات (تابع للتيار الصدري)، حيث اتُّهمت السرايا بذلك، ما دفعه سريعًا لاتخاذ القرار.
وبهذا السياق، قال الباحث والأكاديمي، غالب الدعمي، إن "التيار الصدري يتميز بوجود جهة رادعة داخل بنيته التنظيمية، تتولى متابعة أي تجاوزات أو مخالفات تصدر عن أفراد محسوبين عليه".
وأضاف الدعمي، لـ"إرم نيوز"، أن "المخالفات التي أشار إليها الصدر قد تكون ناجمة عن تدخل طرف ثالث دخل على خط التيار، وأجج تلك السلوكيات، إلا أن العقوبة جاءت لمنع تكرار أي تجاوز مستقبلي، وهي رسالة واضحة للرأي العام بأن التيار الصدري لا يسمح بالإساءة إلى المواطنين أو التعدي عليهم".
وأشار إلى أن "هذه المتابعة من قيادة التيار، سواء من رئاسة التيار أو من قواعده، لما يصدر من سلوكيات فردية، عززت صورة التيار بوصفه منضبطًا، بخلاف جهات أخرى تمتلك السلاح ولم يُسجل بحقها محاسبة علنية لمنتسبيها"، مؤكدًا أن ذلك "جعل التيار محط احترام وتقدير شريحة واسعة من المجتمع".
بدوره، قال عضو في التيار الصدري إن "قرار تجميد سرايا السلام في محافظة البصرة، لا يمكن فصله عن المسار الإصلاحي الذي يتبناه زعيم التيار منذ سنوات"، موضحًا أن "الصدر حريص على أن يبقى التيار بعيدًا عن أي سلوك يسيء إلى صورته، أو يضعه في موضع الاتهام أمام الشارع العراقي".
وأضاف عضو التيار الذي طلب حجب اسمه، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "تجميد السرايا يأتي ضمن مراجعة داخلية تهدف إلى ضبط الأداء ومنع أي استغلال لاسم التيار، خصوصًا في هذه المرحلة الراهنة".
وأشار إلى أن "أي تحرك سياسي مقبل للتيار سيكون بسبب عدم إحراز القوى الأخرى تقدمًا حقيقيًّا في ملف الإصلاح ومكافحة الفساد، وضمان استقلالية القرار العراقي".
ويأتي هذا التطور في سياق سياسي أوسع، إذ دخل العراق بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مرحلة إعادة ترتيب التوازنات داخل النظام السياسي، وسط تشكيك شعبي متزايد بقدرة الطبقة السياسية على إنتاج تغيير فعلي، في ظل استمرار الأعراف السياسية التي ترسخت بعد عام 2003، والقائمة على توزيع المناصب السيادية وفق الانتماءات المكوناتية.
وفي هذا الإطار، برز الإطار التنسيقي، الذي يضم أغلب القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري، بوصفه الجهة المسؤولة عن التوافق على تسمية رئيس الوزراء المقبل وقيادة عملية تشكيل الحكومة، وهو ما ولد حالة من القلق داخل أوساط التيار الصدري وأنصاره، الذين ينظرون إلى غيابهم عن السلطة التنفيذية بعين الريبة، ولا سيما في ظل صعود قوى ينظر إليها على أنها أقرب إلى النفوذ الإيراني.
ولم يتدخل مقتدى الصدر حتى الآن بشكل مباشر في مسار تشكيل الحكومة الجديدة، أو يسعى إلى فرض شروط سياسية على القوى المنخرطة في مفاوضات اختيار رئيس الوزراء، مكتفيًا بمراقبة التطورات، في وقت تتداول فيه أوساط سياسية أحاديث عن إمكانية تكليف مرشح لرئاسة الوزراء يحظى بقبول ضمن أجواء التيار الصدري.