تتفاوت قراءات الخبراء والمحللين بشأن المطالب التي قدمتها الإدارة الأمريكية للسلطات السورية الجديدة، كشرط لرفع العقوبات المفروضة على الدولة في عهد النظام السابق.
فيما يرى خبراء أن مماطلة واشنطن، برفع هذه العقوبات إجراء متعمد لشراء الوقت لمواكبة خريطة محلية وأخرى إقليمية قيد التشكيل".
وفي المقابل، يرى بعض المحللين أن رفع العقوبات عن سوريا يواجه عقبات نتيجة اختلاف وجهات النظر داخل الإدارة الأمريكية، والكونغرس حيال الموضوع.
ولعل المفارقة اللافتة للنظر في الموضوع هو أن واشنطن لم تقدم لدمشق جدولا زمنيا برفع العقوبات في حال تنفيذ هذه الشروط.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع، وصف المطالب التي قدمتها الإدارة الأمريكية كشروط لرفع العقوبات عن سوريا، بأن بعضها بحاجة إلى مناقشة أو تعديل.
وكرر في مقابلة صحفية، القول: إنه يجب رفع العقوبات بشكل دائم لأنها فُرضت على نظام الأسد الذي لم يعد في السلطة، مضيفًا أن هذه العقوبات تُعيق حكومته، وتُعرقل قدرتها على تحريك الاقتصاد.
ومن أبرز المطالب الأمريكية التي قيل إنها تستهدف «بناء الثقة»، هو إبعاد المسلحين الأجانب عن المناصب القيادية، بما فيها الجيش السوري الناشئ، الذي اشترطت واشنطن أن يكون «جيشاً احترافياً».
كما تضمنت الشروط فتح الباب أمام الولايات المتحدة للوصول إلى جميع منشآت السلاح الكيماوي والبرنامج الخاص به، وتشكيل لجنة للمفقودين الأمريكيين بمن فيهم الصحافي آستون تايس.
وبالإضافة إلى طلب تفويض معلن للقوات الأمريكية يسمح بتنفيذ عمليات «مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضد أي شخص تعتبره واشنطن تهديداً للأمن القومي»، فقد طلب من القيادة السورية إصدار «إعلان رسمي عام يحظر جميع الميليشيات الفلسطينية وأنشطتها السياسية في سوريا، وترحيل أعضائها بشكل يضمن طمأنة إسرائيل»، بالإضافة إلى «منع تموضع إيران وتصنيف كلّ من الحرس الثوري وحزب الله تنظيماً إرهابياً»، والالتزام العلني بالتعاون مع «التحالف الدولي» في محاربة «داعش».
كما تتضمن قائمة المطالب الأمريكية الالتزام بالعمليات العسكرية في سوريا، حيث يشترط الأمريكيون أن تعلن الحكومة السورية دعمها للعملية العسكرية الأمريكية "Inherent Resolve"، التي تهدف إلى القضاء على وجود تنظيم داعش في سوريا.
وتطالب واشنطن أيضاً بإصلاحات داخلية في الحكومة السورية، من بينها تقديم خطوات ملموسة نحو بناء حكومة شاملة تضم جميع مكونات المجتمع السوري.
ويرى خبير القانون الدولي المحامي نورالدين حمودة، في قراءة للمماطلة الأمريكية باستكمال رفع العقوبات عن نظام الشرع، بأنها "إستراتيجية شراء الوقت لمواكبة خريطة محلية وأخرى إقليمية قيد التشكيل".
ويعزز حمودة، هذه القناعة بجملة من الشواهد التي تؤكد أن لدى المبعوثين والوفود الأمريكية التي زارت دمشق حتى الآن، ثقة بأن النظام الجديد في دمشق نجح في اختبار الثقة والجدية والكفاءة، لكن البيت الأبيض غير مستعجل؛ لأنه يربط بين المعادلة السورية الداخلية وبين الترتيبات الإقليمية التي تتولى إسرائيل تنفيذ بعضها عبر حدود دول الجوار.
وفي التفاصيل التي يقول حمودة إنه اطلع عليها، فإن تسليم المطالب الأمريكية من النظام السوري الجديد، تم في 18 مارس/ آذار الماضي عبر قائمة مطالب حملته ناتاشا فرانشيسكي نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون بلاد الشام وسوريا وسلمتها لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في اجتماع خاص على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل.
وفي تلك المعلومات أيضا أن السلطات السورية قامت بالرد بشكل خطّي على قائمة الشروط الأمريكية. ومع ذلك تتعمد الإدارة الامريكية، المماطلة، وشراء الوقت، كما يقول.
المحلل السياسي طانيوس صبري الحاج، يرجح أن يكون رفع جميع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا لا يزال يواجه عقبات داخل الإدارة الأمريكية والكونغرس؛ بسبب انقسام مواقف مسؤولي الإدارة الأمريكية حيال سوريا.
ففي وزارة الخارجية الأمريكية، مجاميع تدعو إلى ضرورة منع تحول سوريا إلى الفوضى والتناثر، وتطالب بأن تتعامل إدارة ترامب بواقعية مع الحكومة السورية الجديدة، ومنحها فرصة لإثبات تغييرها.
وفي المقابل، هناك شخصيات أمنية متشددة في مجلس الأمن القومي والاستخبارات، تحذر من التعامل مع السلطة الجديدة، وتخشى من التنظيمات المتطرفة، وتشكك في إمكانية تحوّل سوريا إلى حليف موثوق.
وبحسب تقدير طانيوس الحاج، في حديثه مع "إرم نيوز" ، فإن اللوبي الإسرائيلي، وحكومة بنيامين نتنياهو يلعبون دورًا ممانعًا لأي تقارب أمريكي مع السلطة السورية الجديدة، بانتظار أن توافق سوريا الجديدة على التطبيع مع إسرائيل. ولذلك لا يزيدون في وضع الشروط الاختبارية وآخرها التي جرى اختبارها قبل أيام في زيارة الوفود الاقتصادية والمالية والاجتماعات مع صندوق النقد الدولي، حسب تقديره.
وينوّه الحاج إلى أن الشروط أو المطالب الأمريكية الثمانية التي سلمتها واشنطن للرئاسة السورية لا تتضمن عمليا ما هو تعجيزي أو غير قابل للتنفيذ، ولو بثمن.
ويشير بالتحديد إلى مطلب واشنطن إبعاد المقاتلين الأجانب الذين يقدر عددهم بحوالي 30% من تشكيلة "قوات تحرير الشام".
ولفت المحلل الحاج، إلى أن الشرع من حقه أن يتردد أو يرفض إبعاد رفاق سلاحه القدامى، وبعضهم يتولى الآن مناصب أمنية شديدة الحساسية، ما يجعله يتحسب بالضرورة لكي لا ينقلبوا عليه، بالتعاون مع متقاعدي الجيش أو ربما مع مؤيدين لإيران. لذلك اختصهم الشرع في بعض تصريحاته، باقتراح منحهم الجنسية السورية، وهو الحل الأرجح، حسب تقدير المحلل الحاج.