logo
العالم العربي
خاص

صدع في "التحالف الحديدي".. كيف يؤثر خلاف ترامب ونتنياهو على الشرق الأوسط؟

صدع في "التحالف الحديدي".. كيف يؤثر خلاف ترامب ونتنياهو على الشرق الأوسط؟
نتنياهو وترامبالمصدر: رويترز
20 مايو 2025، 8:05 ص

طفا على السطح، منذ مطلع هذا الشهر، تباينٌ لافت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فقد تتالت جولات المفاوضات الأمريكية-الإيرانية بشكل خالف التوقعات الإسرائيلية التي كانت تستبعد احتمال التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وتحضر بدلاً من ذلك للخيار العسكري. 

أخبار ذات علاقة

بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب

تحذير أم تسريب إعلامي.. هل هدد ترامب بالتخلي عن إسرائيل بسبب حرب غزة؟

 وقبيل جولة ترامب الخليجية، 13 إلى 16 مايو/أيار، ظهرت تسريبات بأن ترامب يمكن أن يصدر إعلاناً مفاجئاً بخصوص الدولة الفلسطينية، وهذا ما يمثل بطبيعة الحال خطوة بالغة الخطورة بالنسبة لإسرائيل. 

وعلى عكس جولته الأولى في الشرق الأوسط، في 2017، تعمد الرئيس الأمريكي عدم المرور بإسرائيل، بل تعمد مصدر في إدارة ترامب التصريح لصحيفة "واشنطن بوست"، في 11 مايو/أيار، بما حرفيته أنه ما من داعٍ لزيارة ترامب لإسرائيل بعد أن زار نتنياهو البيت الأبيض "700 مرة" منذ بدء ولاية ترامب الثانية. 

وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث ألغى بدوره زيارة كانت مقررة له إلى إسرائيل، قبيل جولة ترامب في المنطقة. 

المشهد إذاً ليس بالفتور العابر، بل يمكن وصفه بأنه تعمدٌ من جانب الإدارة الأمريكية بإظهار الفتور تجاه إسرائيل. فما دوافع إدارة ترامب لإظهار هذا الفتور وما هو تكتيك ترامب هنا وما الذي يعنيه بالنسبة لمجمل سياستها الشرق أوسطية؟

في تفسير رسائل ترامب

يعتقد ترامب أن نتنياهو يشبهه من حيث اهتمامه البالغ بصورته وبما تقوله عنه وسائل الإعلام. ويدرك أيضاً أن وسائل الإعلام الإسرائيلية لن تفوت رسائله، وأن الصورة الإجمالية التي ستظهر سريعاً في إسرائيل هي أن نتنياهو على علاقة سيئة مع سيد البيت الأبيض، وهذا ما سيدفعه لتقديم تنازلات ترضي ترامب وتسمح له بعقد صفقات كبرى في الشرق الأوسط. 

ترامب مضى على الأرجح نحو هذا التكتيك بعد أن تعثرت مساعيه لتحقيق إنجازات دبلوماسية وسياسية في عدة ملفات خارجية مهمة، بما في ذلك ملف الحرب الروسية-الأوكرانية، وملف الحرب التجارية، وإعادة ترتيب العلاقات ضمن حلف الناتو، وحتى ملف المفاوضات النووية الإيرانية. 

إنهاء حرب غزة كان من بين الوعود الانتخابية التي قطعها ترامب. وبالفعل تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح بعض الأسرى في 19 يناير/كانون الثاني، قبل يوم واحد من عودة ترامب إلى البيت الأبيض. 

ولكن الاتفاق تعطل واستأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية في 18 مارس/آذار. لم تعترض إدارة ترامب على استئناف إسرائيل لعملياتها العسكرية. ولكن في تلك المرحلة أيضاً لم يكن هناك ما يشعر الإدارة الأمريكية بالقلق إزاء ملفات السياسة الخارجية. 

المفاوضات مع روسيا حول الحرب في أوكرانيا كانت تسير بشكل جيد. والتهديد الأولي باستخدام الرسوم الجمركية ضد كندا والمكسيك والصين وحتى بعض دول أمريكا اللاتينية حقق النتائج المتوقعة. بل مضت الإدارة الأمريكية الواثقة إلى إطلاق عملية عسكرية مفاجئة ضد الحوثيين والتحضير لما بدا أنه ضربة عسكرية واسعة وشيكة لإيران، إلا أن هذا المشهد الإجمالي تغير سريعاً. 

روسيا لم تظهر المرونة التي توقعتها الإدارة الأمريكية. والأوكرانيون أبدوا بدورهم إصراراً عنيداً على متابعة القتال. وفي ملف الرسوم الجمركية، اختل التوازن، وفقدت الإدارة الأمريكية قدرتها على اللعب على التناقضات عندما وحدت شركاءها التجاريين ضدها. وفي اليمن، نفذت قرابة 1,500 غارة جوية من دون أن تصل الولايات المتحدة إلى مرحلة تستطيع أن تقول فيها إن المهمة العسكرية أنجزت، أو على وشك أن تنجز. حصل كل هذا والإدارة الأمريكية تحضر للجولة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط. 

هنا بدأت الإدارة الأمريكية إرسال رسائل ضغط قاسية إلى نتنياهو الذي كان يتأهب لإطلاق عملية "عربات جدعون" التي أقرتها الحكومة الأمنية المصغرة في 5 مايو/أيار. ففي 6 مايو/أيار، أعلن الرئيس الأمريكي بشكل مفاجئ، ومن دون إخطار الإسرائيليين، بإيقاف الحملة العسكرية التي بدأها، في مارس/آذار على الحوثيين في اليمن، وذلك بالرغم من استمرار هجماتهم الصاروخية على إسرائيل. 

وفي 7 مايو/أيار، أعلن ترامب بشكل مفاجئ أن 21 رهينة فقط من أصل 59 في قطاع غزة لا يزالون أحياء بعد أن مات الآخرون في الأسر (هذا أقل من التقديرات المتداولة سابقاً). 

تصريح ترامب فهم في إسرائيل على أنه انتقاد لإصرار نتنياهو على الحل العسكري. وفي 8 مايو/أيار، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن الولايات المتحدة تروج لنموذج جديد لإدخال المساعدات الإنسانية إلى داخل قطاع غزة عبر إنشاء أربع نقاط آمنة لتوزيع المساعدات بشكل مباشر على الفلسطينيين. إسرائيل كانت أوقفت إدخال المساعدات إلى القطاع في 2 مارس/آذار، وراهنت على إبقاء المساعدات معطلة خلال العملية العسكرية الجديدة، إلا أن المقترح الأمريكي خلط الأوراق. 

لم تكتفِ الإدارة الأمريكية بهذا، بل كانت هناك مؤشرات على تطورات أكبر. ففي 10 مايو/أيار، شُغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالتصريحات المنسوبة لمصدر دبلوماسي خليجي حول احتمال إصدار ترامب إعلاناً يعترف بالدولة الفلسطينية، ويعلن إنشاءها دون وجود لحركة "حماس". 

وفي 11 مايو/أيار، كشفت وكالة "رويترز" وجود مفاوضات مباشرة لأول مرة بين الإدارة الأمريكية وحركة "حماس". المفاوضات أدت إلى إطلاق سراح عيدان ألكسندر وهو عسكري إسرائيلي يحمل الجنسية الأمريكية، وهو الرهينة الأمريكي الأخير. وإطلاق سراحه كان بادرة إيجابية تجاه ترامب الباحث دائماً عن صورة إنجاز أمام الرأي العام الأمريكي. 

إطلاق سراح عيدان ألكسندر أثار مخاوف اليمين الإسرائيلي من أن ترامب قد يمضي نحو مقاربة مختلفة جذرياً لملف مفاوضات حرب غزة. 

القناة 14 – المحسوبة على اليمين الإسرائيلي – اعتبرت، في 11 مايو/أيار، أن ترامب يطور إطاراً جديداً للمفاوضات يعتمد على صفقة كبرى ووقف فوري وكامل للعمليات العسكرية، بدل المقاربة الأمريكية التقليدية - التي ظهرت منذ خريف 2023 – والتي اعتمدت على الصفقات الجزئية، واستراتيجية خطوة بخطوة. 

بحث ترامب عن صفقة كبرى تنهي حرب غزة يعود، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية مرة أخرى، لرغبته في الإعلان عن انضمام السعودية إلى الاتفاقات الإبراهيمية خلال جولته الخليجية الأخيرة. هذا البحث عن الصفقات الكبرى هو الكلمة المفتاحية في كل ما يحصل. 

بالنسبة لدونالد ترامب الصفقات الكبرى والسريعة هي المفضلة دائماً، وذلك لكونها تترك التأثير الأكبر على الرأي العام، وإن لم تكن الأكثر تماسكاً أو استدامةً أو قبولاً من كل الأطراف. 

تذكّر هذا الجانب من تفكير الرئيس الأمريكي هو أمر حيوي لفهم التغييرات الأخرى في مقارباته، خصوصاً في ما يتعلق بملفات الشرق الأوسط، وكذلك لتقدير ما إذا كانت هذه التكتيكات ستنجح فعلاً.

هل تنجح تكتيكات ترامب؟

قاوم نتنياهو ضغوط ترامب لإنهاء حرب غزة وعقد صفقة كبرى. ومن المرجح أن رهان ترامب على خشية نتنياهو من ظهور الخلافات بينه وبين البيت الأبيض للعلن لم يكن بالرهان الدقيق. فهذه ليست المرة الأولى التي يعاني فيها نتنياهو من توتر في العلاقات مع حلفائه الأمريكيين. وهو معروف أصلاً بقدرته الاستثنائية على تحمل النقد اللاذع والمظاهرات الرافضة له. 

خبرة نتنياهو السياسية هنا تفوق خبرة ترامب بكل تأكيد. وهي لا تعتمد على العناد فقط، بل على مزج ذلك بالمرونة. فقبيل زيارة ترامب، أرسل نتنياهو، في 12 مايو/أيار، وفداً تفاوضياً إلى الدوحة لاستئناف المفاوضات حول إطلاق سراح الأسرى. وأجّل إطلاق عملية "عربات جدعون" إلى ما بعد نهاية جولة ترامب الخليجية. 

كما وافق نتنياهو، في 18 مايو/أيار، على إدخال المساعدات إلى قطاع غزة. ولكن من المرجح أن هذه هي حدود المرونة التي يستطيع نتنياهو إبداءها. فإيقاف الحرب – خصوصاً بالشكل الذي يطالب به ترامب – سيقود على الأرجح إلى تفكك الائتلاف الحاكم في إسرائيل، والمضي نحو انتخابات مبكرة ترجح كل الاستطلاعات أن رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت سيفوز بها، ويحصد حوالي 66 مقعداً مقابل ما بين 44 و48 لتحالف نتنياهو. 

ما يهمنا من دراسة التجاذب بين ترامب ونتنياهو، وخصوصاً دراسة تفكير ترامب، هو الانعكاسات على باقي ملفات الشرق الأوسط الساخنة. حرص ترامب على الإعلانات أو الصفقات الكبرى ظهر في الأيام الأخيرة في مقاربته للملف السوري مع إعلانه المفاجئ رفع العقوبات، ولقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع. 

الإعلان جاء مفاجئاً حتى للدوائر الأمريكية المعنية بالعقوبات في وزارتي الخزانة والخارجية. ولا يزال الموقف الرسمي الدقيق للإدارة الأمريكية ملتبساً في ما يخص ملف العقوبات. فوزير الخارجية الأمريكي صرح، في 15 مايو/أيار، أن تعليق العقوبات سيجدد كل 180 يوماً (بمعنى أنها لم ترفع بشكل دائم، ولا يوجد توضيح متى سترفع بشكل دائم). وبالمقابل ليس من الواضح ما الخطوات الكبرى الحقيقية المتوقعة من جانب الشرع. 

وفي 16 مايو/أيار، كشفت قناة "إن بي سي" الأمريكية أن ترامب يدرس نقل مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى كل من ليبيا وسوريا. فهل هذا هو ثمن رفع العقوبات عن سوريا؟ وماذا سيحصل للملف السوري إن أحبط أحمد الشرع رهان ترامب عليه للعب دوره في تنفيذ صفقة كبرى للشرق الأوسط؟ 

حرص ترامب على الصفقات السريعة ظهر أيضاً خلال جولته الخليجية عندما أعلن، من قطر، أن هناك شبه اتفاق مع إيران. بطبيعة الحال، لم يقدم ترامب أي تفاصيل. وكما هو الحال مع إعلانه الخاص برفع العقوبات عن سوريا، أثار إعلانه بخصوص إيران حيرةً في الأوساط الأمريكية. 

ظهرت تقارير تحذر من أن يكون ترامب تراجع عن شرط الإيقاف الكامل لعمليات تخصيب اليورانيوم في إيران، وذلك بسبب استبعاد الأمريكيين أن تكون إيران هي من تنازل بسرعة في هذا الملف الشديد الحساسية. 

سنعرف قريباً مدى صحة حديث ترامب عن تحقيق خرق في المفاوضات النووية. ولكن لنعد للمشهد الأوسع. ضغط ترامب على نتنياهو لإيقاف الحرب وتقديم المساعدات للفلسطينيين هو أمر يرحب به، بلا شك، كل العرب في الشرق الأوسط. وكذلك الأمر بالنسبة لرفع العقوبات عن سوريا. ولكن هناك ما هو مقلق في الطريقة التي تتبلور بها هذه الخطوات من جانب إدارة ترامب. فهي تظهر بشكل مفاجئ، ولأسباب لا علاقة لها بالضرورة بالرغبة في توفير حلول مستدامة لهذه الملفات المتأزمة بشكل مزمن. 

أخبار ذات علاقة

رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو

نتنياهو: ترامب يمارس "ضغطا قويا" بشأن غزة

 وهذا ما يحمل معه مخاطر انهيار هذه الخطوات بشكل مفاجئ، وتجاوز هذه الملفات بشكل سريع. كما حصل مع العملية العسكرية التي أطلقتها إدارة ترامب ضد الحوثيين في مارس/آذار، أو كما يحصل مع الوساطة الأمريكية في الحرب الروسية-الأوكرانية. 

نقطة الضعف الرئيسة في مقاربة ترامب هي أنها تراهن على الصفقات الكبرى السريعة في منطقة معروفة برهانها العنيد على الانتظار. والفتور والتباين الذي ظهر بين ترامب ونتنياهو هذا الشهر قد ينتهي في الشهر المقبل أو الذي يليه. ولكنه سيبقى مثالاً مهماً على مقاربة إدارة ترامب للسياسة الخارجية، والتي سترافقنا للأعوام الأربعة المقبلة.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC