تشهد الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق، استقطابًا حادًا وسط انتقادات متصاعدة لغياب تكافؤ الفرص، وانقسام حاد بين مرشحين يوصَفون بـالـ"مدلّلين" يحظون بغطاء سياسي أو حكومي، وآخرين يواجهون المقصلة قبل بدء السباق الفعلي.
ووفق مفوضية الانتخابات العراقية، فإن عدد المرشحين المسجلين يقترب من حاجز 8000 مرشح، موزعين على 18 محافظة، في سباق يبدو مزدحمًا ومشحونًا على أكثر من صعيد، لا سيما في ظل اشتداد التنافس بين التحالفات الشيعية الكبرى، وخوض الزعامات السياسية السباق بأنفسهم.
وتتّهم أطراف سياسية بارزة مرشحي قوى "الإطار التنسيقي" أو أولئك المنضوين ضمن قائمة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بالحصول على تسهيلات واسعة لا تتوفر لغيرهم، تشمل تمرير معاملات ناخبيهم، واستخدام نفوذهم في الدوائر الحكومية، بل وحتى تنظيم فعالياتهم في مناطق خاضعة لحمايات أمنية مشددة.
وقال الباحث في الشأن العراقي واثق الجابري إن "المال السياسي – وأحيانًا المال غير السياسي أيضًا – يلعب دورًا حاسمًا في توجيه بوصلة الانتخابات العراقية منذ 2005 وحتى اليوم".
وأضاف الجابري لـ"إرم نيوز"، أن "الترغيب والترهيب لا يزالان أداتين مركزيتين، لكن الفارق اليوم أن المواطن لم يعد يقتنع بالوعود، بل بدأ يفكّر بكيفية الاستفادة المادية المباشرة من المرشح، ما يخلق علاقة مقلوبة بين الطرفين، قوامها تبادل مصالح لا وعي سياسي".
وأكد أن "الخطر الأبرز في هذه الدورة يتمثل بصعود المشايخ ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال إلى واجهة الترشح، وهؤلاء الأكثر حظًا في الفوز، ما ينذر ببرلمان يُمثّل العشائر والمال لا التخصص والكفاءة".
وأردف أن "القوى الناشئة لا تزال مرتبكة، وتتناقض حين تهاجم النظام السياسي ثم تشارك فيه، دون تقديم برامج واقعية قادرة على جذب الشارع".
ورغم إعلان المفوضية أن موعد بدء الحملات الانتخابية الرسمية سيكون بعد المصادقة على أسماء المرشحين النهائيين، إلا أن العديد من الكتل بدأت حملاتها فعليًا من الآن، من خلال نشاطات خدمية أو مبادرات "تبرعية" في المناطق الشعبية، بينها إكساء شوارع فرعية، وصيانة محولات كهرباء، وتوزيع مساعدات غذائية، أو دعم مشاريع شبابية.
ويقول مراقبون إن تلك الحملات لا تشمل الجميع، بل تقتصر على مرشحي القوى المقربة من السلطة أو المتحالفة مع الأجهزة الإدارية، في حين يُعاني المستقلون من صعوبات في سلوك هذا المسار.
من جانبه، قال النائب السابق في البرلمان العراقي يونادم كنا، إن "الخلل الأساسي في العملية الانتخابية الحالية هو غياب تكافؤ الفرص، حيث يُعامل المرشحون بدرجات متفاوتة، وكأنهم لا يتنافسون في مضمار ديمقراطي واحد".
وأضاف كنا لـ"إرم نيوز"، أن "المرشح القريب من دوائر السلطة لا يحتاج حتى إلى برنامج انتخابي، بينما يواجه المرشح الناشئ أو المستقل عراقيل في ترخيص نشاطه، أو رفضًا غير مبرر من بعضهم لاستقباله".
وأشار إلى أن "هذا التمييز يشكل خطرًا على مستقبل التمثيل السياسي في العراق، لأنه ينتج برلمانًا غير متوازن، ويُفرغ صناديق الاقتراع من مضمونها الديمقراطي الحقيقي"، داعيًا إلى "تدخل فعلي من المفوضية وهيئة النزاهة لمراقبة أداء المرشحين ومنع استغلال المال والنفوذ".
ويشير مراقبون إلى أن بعض وسائل الإعلام تمارس تضييقًا واضحًا على تغطية المرشحين المستقلين أو غير المحسوبين على قوى كبرى، سواء من حيث المساحات المتاحة أم شكل التغطية، وهو ما يكشف استقطابًا حادًا يمتد من الشارع إلى الشاشات.
في المقابل، لا تزال بعض الأحزاب تروّج لرواية أن "الانتخابات لن تغيّر شيئًا"، في محاولة على ما يبدو لتقليل نسبة المشاركة في المناطق التي لا تحظى فيها بشعبية، بينما تحشد بكل ثقلها في مناطق نفوذها عبر الزيارات الميدانية والوعود والتوظيف الانتخابي للموارد.
وتعد الانتخابات المقبلة – وفق مختصين - محطة حاسمة لتحديد شكل البرلمان المقبل، الذي يتوقع أن يشهد صراعًا ثلاثيًا بين قوى الإطار التنسيقي، ومرشحي رئيس الوزراء، وتحالفات جديدة ترفع شعارات التغيير، في ظل غياب واضح للتيار الصدري، وانسحاب قوى مثل ائتلاف النصر بزعامة العبادي، وتيار الخط الوطني برئاسة مصطفى الكاظمي.
وتؤكد المفوضية العليا للانتخابات أنها استكملت أكثر من 70% من استعداداتها الفنية واللوجستية، بما في ذلك تحديث سجلات الناخبين، وتسلم قوائم المرشحين، وسط توقعات بأن تكون نسبة المشاركة منخفضة ما لم تنجح الحملات التوعوية، والمناظرات المرتقبة في تحفيز الشارع.
ويخشى مراقبون من أن استمرار النهج الحالي في التمييز بين المرشحين قد ينعكس سلبًا على شرعية العملية برمتها، خاصة في حال تراكم الشكاوى والطعن بنتائج بعض الدوائر، أو بروز دلائل على استخدام المال العام في الحملات.