تبدو غزة اليوم أمام لحظة إعادة تشكيل عميقة تتجاوز تثبيت وقف النار أو منع الانهيار الإنساني، فالمسار الذي تقوده واشنطن داخل مجلس الأمن بات يشير إلى محاولة صوغ إطار مؤسسي جديد.
وتُناط بهذا الإطار مهمة تنظيم الحدّ الأدنى من شؤون القطاع بعد انتهاء العمليات العسكرية، عبر قوة دولية يُفترض أن تعمل بتفويض واضح ومدة زمنية محددة، مع ربط هذا التفويض بإعادة الإعمار وإدارة الخدمات.
هذه الخطوة، مهما اختلفت القراءات حولها، تنقل الملف من دائرة التفاهمات الثنائية المتغيرة، إلى ساحة قرار أممي قابل للتنفيذ، وهذا بحد ذاته تحوّل سياسي لا يمكن تجاهله.
في حين يبرز في الساعات الأخيرة تباين واضح بين الطرح الأمريكي الذي يستند إلى قوة دولية واسعة التفويض، وبين الموقف الفصائلي الفلسطيني الذي يضع خطوطاً حمراء حول أي إدارة خارجية مباشرة للقطاع.
ومقابل هذا الاتجاه، كانت دول عربية وإسلامية أعادت طرح مقترح يركّز على دور محوري لهيئات مدنية فلسطينية، تعمل تحت إشراف دولي محدود يقتصر على ضمان الإغاثة وتنظيم إعادة الإعمار.
ويضع هذا التباين النقاش في إطار عملي حول طبيعة الصلاحيات التي يمكن أن تمنح للقوة المقترحة، وحجم الدور الذي يسمح به الطرح العربي–الإسلامي للفاعلين المحليين في إدارة الشؤون اليومية.
وبين هذين الاتجاهين، تظهر فجوة تتعلق بمن يمسك بالملفات الأساسية: من الخدمات إلى إعادة الإعمار، وكيف يمكن صياغة ترتيبات لا تتعارض مع اعتبارات السيادة الفلسطينية ولا مع الحاجة إلى حضور دولي يخفّف أعباءَ المرحلة المقبلة.
ويتجه مجلس الأمن إلى التصويت على مشروع أمريكي جديد يرتبط بالمقاربة الشاملة التي أعلنتها واشنطن في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بشأن مستقبل غزة، وترتيبات اليوم التالي.
ويأتي المشروع في إطار دفع دولي لتثبيت صيغة انتقالية، تقوم على تشكيل هيئة مدنية مؤقتة يطلق عليها اسم "مجلس سلام"، تُمنح صلاحيات واسعة حتى عام 2027، مع إمكانية تمديد مهمتها لاحقاً.
يأتي ذلك في وقت أبدت فيه وزارة الخارجية الفلسطينية ترحيباً أولياً بالجهود الأمريكية، معتبرة أن المشروع يفتح نافذة سياسية جديدة يمكن البناء عليها.
إلا أن مضمون الخطة يضع عودة المؤسسات الفلسطينية إلى غزة ضمن شروط دولية وإقليمية لم تُحسم بعد؛ ما يعني أن الدور الفلسطيني الرسمي يبقى مرتبطاً بالمسار الذي ستتخذه الترتيبات المقبلة.
وقال مصدر دبلوماسي أمريكي، لـ"إرم نيوز"، إن المقترح المطروح أمام مجلس الأمن "ليس مشروع وصاية جديدة على غزة، بل هو محاولة لتفادي فراغ إداري قد يترك السكان أمام سيناريوهات أكثر خطورة".
وأشار المصدر إلى أن النقاش داخل الدوائر الأمريكية يركّز على وضع صيغة واضحة تحدد بدقة حدود القوة الدولية وصلاحياتها، بحيث لا تتحول إلى سلطة بديلة، ولا تُترك بلا أدوات تمكّنها من منع الانهيار المدني.
وأضاف أن واشنطن ترى في التفويض الأممي وسيلة لضمان وجود إطار مُتّفق عليه دولياً، يمكن للدول المانحة أن تتحرك ضمنه بثقة، خصوصاً أن عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار تحتاج إلى جهة قادرة على تنظيم الأولويات وضبط توزيع الموارد.
وبيّن المصدر أن الولايات المتحدة تدرك حساسية الملف بالنسبة للفلسطينيين، لذلك تحرص على "إدراج آليات تسمح بدور فعّال لمؤسسات مدنية محلية، على أن تُمنح هذه المؤسسات مساحة عملية لإدارة شؤون الحياة اليومية بصورة تدريجية"، حسب قوله.
وأوضح أن المقترح العربي–الإسلامي يُنظر إليه في واشنطن بوصفه "مكمّلاً وليس نقيضاً" للمسار المطروح، مؤكداً أن الإدارة الأمريكية تلحظ نقاط التقاء يمكن البناء عليها، مثل: ضرورة الحفاظ على دور فلسطيني مباشر، وضمان تدفق المساعدات، ووضع جدول زمني واضح للمرحلة الانتقالية.
وأضاف المصدر أن واشنطن لا تمانع نقاش أي صيغة تحافظ على الاستقرار وتضمن حماية المدنيين، لكنه شدد على أن "استمرار الوضع الحالي دون إطار واضح قد يعرقل جهود إعادة الإعمار ويفتح الباب أمام مزيد من الفوضى".
وأكّد أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى إعادة تشكيل الواقع السياسي داخل القطاع، مشيراً إلى أن الهدف المباشر الآن هو "خلق مساحة آمنة تُستعاد فيها الخدمات الأساسية ويُتاح للسكان العودة إلى حياتهم اليومية بأسرع ما يمكن".
وأوضح المصدر أن واشنطن لا تصوغ ترتيبات طويلة الأمد في هذا التوقيت، وإنما تعمل على "توفير الأدوات التي تمنع الانهيار وتسمح ببداية منظّمة لإعادة الإعمار".
وختم المصدر بالقول: إن نجاح أي قوة دولية يتوقف على تعاون الأطراف المحلية أولاً، وعلى اتفاق المجتمع الدولي على خطوط واضحة تمنع تضارب الأدوار، مضيفاً أن واشنطن تبحث عن "صيغة تنفيذية قابلة للاستمرار، لا ترتكز على الأمن فقط، ولكنها تأخذ أيضاً في الاعتبار الخدمات والبنى التحتية والاحتياجات الإنسانية العاجلة".
في حين، أشارت مصادر سياسية فلسطينية إلى أن النقاش الدائر حول القوة الدولية يجب أن يُنظر إليه كمسألة تتعلق بتنظيم حياة الناس قبل أي اعتبار آخر، مؤكدةً أن أي ترتيبات لا تمنح الفلسطينيين دوراً فعلياً في إدارة شؤونهم اليومية لن تنجح مهما كان حجم الدعم الدولي.
ولفتت المصادر، خلال حديثها لـ"إرم نيوز"، إلى أن "وجود قوة دولية ليس مشكلة بحد ذاته"، لكن الإشكالية تكمن في طبيعة التفويض الذي ستحمله، وهل سيكون تفويضاً يكمّل الدور الفلسطيني أم يحلّ مكانه.
وأضافت المصادر، أن المقترح العربي–الإسلامي يمثل بالنسبة لكثير من الفاعلين الفلسطينيين إطاراً أقرب إلى الواقع، لأنه يركّز على جعل المؤسسات المدنية الفلسطينية الطرف الرئيسي في إدارة الخدمات، على أن يقدّم الجانب الدولي الدعم التقني والرقابي دون أن يتحول إلى جهة تتخذ القرارات نيابة عن الفلسطينيين.
وأوضحت أن هذا الطرح يحافظ على الحدّ الأدنى من الاستقرار؛ لأنه يربط عملية إعادة الإعمار بدور محلي واضح، ويسمح بوجود جهة فلسطينية يمكن للسكان التعامل معها مباشرة.
وفي ما يتعلق بالخطة الأمريكية، قالت المصادر: إن المقاربة الأمريكية تحاول معالجة حالة الفراغ الإداري بسرعة، وهو ما تراه منطقياً من حيث المبدأ، لكنها لفتت إلى أن التفويض الواسع للقوة الدولية يحتاج إلى ضوابط واضحة؛ لأن "التجارب المشابهة في مناطق أخرى أثبتت أن الصلاحيات غير المحددة قد تؤدي إلى إرباك إضافي وليس إلى استقرار".
وأضافت: "لا أحد يعترض على إشراف دولي يضمن تنفيذ الإغاثة وإعادة الإعمار بطريقة منظمة، لكن يجب أن تبقى القرارات المتعلقة بالحياة اليومية بيد جهات فلسطينية يمكن مساءلتها ومراجعتها".
ونوهت المصادر إلى أن النقاش يجب ألّا ينحصر بين "قبول" و"رفض"، بل في كيفية إيجاد صيغة تدمج بين الجهد الدولي والدور المحلي، بحيث لا تتحول القوة الدولية إلى سلطة قائمة بذاتها، ولا تُترك المؤسسات الفلسطينية وحدها أمام تحدٍّ بهذا الحجم.
وشددت على أن "أي ترتيبات تتجاهل البعد المحلي لن تكون قابلة للاستمرار؛ لأن أهل القطاع يحتاجون إلى إدارة بحكم القرب والمعرفة، وليس مجرد قوة خارجية تحمل تفويضاً عاماً".
وختمت المصادر بالقول: إن الظروف الحالية تفرض صيغة عملية تتوازن فيها الأدوار متمثلة بقدرة دولية على منع الانهيار، وحضور فلسطيني قادر على تنظيم الشؤون اليومية، وإطار عربي–إسلامي يضمن عدم خروج الترتيبات عن السياق الفلسطيني العام.
ولا يكفي التعامل مع القوّة متعددة الجنسيات باعتبارها مجرّد وجود عسكري أو أمني إضافي في غزة، فالمقترح المطروح أمام مجلس الأمن يقدّم نموذجاً مختلفاً عمّا شهدته المنطقة في تجارب سابقة.
ويقوم جوهر الفكرة على نقل جزء من مسؤوليات إدارة المرحلة الأولى بعد الحرب إلى جسم دولي يمتلك تفويضاً محدداً، يربط بين حفظ الحد الأدنى من الاستقرار وبين تمهيد الطريق لعودة عمل المؤسسات المدنية.
وفي هذا السياق، يبدو واضحاً أن المقترح لا يتعامل مع القوة الدولية كعنصر صدامي أو كبديل سياسي، إذ يتعامل معها كأداة انتقالية يُراد لها أن تمنع الانهيار وتحمي المسار الإداري من الوقوع في فراغ يصعب ترميمه لاحقاً.
فعلياً، تشير طبيعة المقترح إلى أن القوة ستتحمل مسؤولية حماية البنية الأساسية للمدنيين، وهو ما يتجاوز مفهوم الأمن التقليدي نحو تأمين الظروف التي تسمح بعمل الخدمات الأساسية، من حماية منشآت المياه والكهرباء إلى ضمان مرور قوافل الإغاثة ومنع عرقلة جهود إعادة الإعمار في المناطق الأكثر تضرراً.
هذه الوظيفة يُنظر إليها كشرط ضروري لعدم انزلاق القطاع مجدداً نحو انهيار شامل، خصوصاً أن أي تعطّل في المرافق المدنية قد يتحول سريعاً إلى أزمة إنسانية واسعة لا قدرة لأي طرف محلي على احتوائها منفرداً.
وفي الوظيفة الثانية، يتضح أن الخطة تراهن على وجود فريق دولي قادر على تنظيم الإغاثة وإدارة الموارد الأولية عبر مراقبة حركة المساعدات وضبط توزيعها ومنع التداخل بين الجهات المختلفة.
وفي بيئة معقدة مثل غزة، يصبح وجود جهة تمتلك تفويضاً يتيح التنسيق بين الأمم المتحدة والمانحين والجهات المحلية عاملاً أساسياً لتقليل الفوضى وتحسين سرعة الاستجابة؛ لأن التجارب السابقة أظهرت أن تعدد القنوات دون جهة تنظيمية واضحة يؤدي في كثير من الأحيان إلى تباطؤ في وصول المساعدات وازدواجية في المناطق المستهدفة.
أما الوظيفة الثالثة فتتعلق بتوفير آلية انتقال نحو إدارة مدنية فلسطينية، إذ لا يُفترض بالقوة — وفق التصور المطروح — أن تكون بديلاً دائماً عن الإدارة المحلية، وإنما تعمل كجسر يسمح بإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية القادرة على تحمل مسؤولية إدارة القطاع.
وتنبع أهمية التفويض من وجود خط فاصل بين الدعم الدولي والإدارة المباشرة، وهو الخط الذي سيحدد مستقبل المهمة برمّتها، ويحدد ما إذا كانت القوة ستتحول إلى عنصر مساعد يمهّد الطريق لعودة المؤسسات المحلية، أم إلى سلطة أمر واقع تفرض نفسها بحكم الحاجة لا بحكم التصميم.
وفي التجارب الدولية المشابهة، لعبت القوى متعددة الجنسيات أدواراً متباينة تبعاً لطبيعة التفويض، ففي بعض الحالات اقتصرت مهامها على حماية خطوط الإمداد وتأمين المساعدات، بينما تحوّلت في حالات أخرى إلى جهة تشرف على الخدمات أو تعيد ترتيب المؤسسات.
لذلك، يصبح النقاش حول غزة مرتبطاً بسؤال مباشر يدور حول ما إذا كان يسعى المجتمع الدولي إلى قوة تنظيمية مؤقتة تضمن الاستقرار الأولي، أم إلى نموذج إدارة انتقالية يتداخل فيه الأمني مع المدني بصورة أوسع.
ومهما كان الشكل النهائي للتفويض، تعكس فكرة القوة متعددة الجنسيات إدراكاً دولياً بوجود فراغ يجب التعامل معه بحذر، لكنها لا تُعدّ حلاً نهائياً، بل إطار أولي لمرحلة حساسة قد يحدد نجاحها أو فشلها مستوى التعاون بين هذه القوة والجهات الفلسطينية، ومدى وضوح الصلاحيات الممنوحة لها، وقدرتها على الحفاظ على ثقة السكان الذين سيعيشون تحت تأثير قراراتها اليومية.
وفي النهاية، ستتوقف فاعلية أي قوة دولية على توازن دقيق بين دورها المؤقت وقدرتها على تسليم الملفات لاحقاً لجهات فلسطينية قادرة على إدارة القطاع بصورة مستقرة ومسؤولة.
يقول الخبير في عمليات الأمم المتحدة وإدارة المهمات متعددة الجنسيات، الباحث البريطاني دانيال ميرسر، إن الحديث عن قوة متعددة الجنسيات في غزة يجب أن يبدأ من تحديد نوع المهمّة وليس حجمها أو جنسية المشاركين فيها، لأن التجارب الدولية أثبتت أن الصلاحيات هي التي تحدد نجاح المهمة أو فشلها.
وأوضح ميرسر، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن المقترحات المطروحة تشير إلى نموذج يجمع بين وظيفة الحماية الأساسية وبين دور التنظيم الإداري المؤقت، وهو نموذج شهدته مناطق عدة خلال العقدين الماضيين، لكنه كان ينجح فقط عندما تكون خطوط الصلاحيات واضحة وتوجد آلية تنسيق فعّالة مع المؤسسات المحلية.
وأضاف أن الخطر الأكبر على أي قوة دولية هو أن تُطلب منها مهام واسعة دون أن تمتلك أدوات التنفيذ المناسبة، أو أن تجد نفسها في موقع اتخاذ القرار بدلاً من الجهات المحلية.
وقال ميرسر إن الإدارة اليومية للخدمات ليست مهمة عسكرية أو أمنية، إنما هي مهمة مدنية - تقنية، تتطلب معرفة دقيقة بالبنى التحتية والسياقات الاجتماعية، وهو ما يجعل من الضروري أن تكون المؤسسات المحلية في قلب العملية وليس في هامشها.
وأوضح أن النقاش الدائر حالياً حول التفويض الأممي يعيد إلى الواجهة دروساً من كوسوفو وتيمور الشرقية وهايتي، إذ أدى غياب التفويض الواضح في بعض الأحيان إلى تضارب في القرارات، بينما أدى التفويض الضيق جداً في حالات أخرى إلى شلل إداري.
وأشار إلى أن غزة، بحكم كثافة سكانها وحدّة الدمار، تحتاج إلى صيغة دقيقة تجمع بين قدرة القوة الدولية على حماية الخدمات وحركة الإغاثة وبين قدرة المؤسسات الفلسطينية على اتخاذ القرارات التي تتعلق بالناس مباشرة.
وأكد ميرسر أن الحفاظ على دور فلسطيني مباشر يساعد القوة الدولية نفسها على أداء مهامها؛ لأن أي مهمة انتقالية تفشل عندما تجد نفسها معزولة عن السكان.
وأضاف أن أي تفويض دولي يحتاج إلى ضوابط زمنية واضحة؛ لأن طول مدة الوجود الدولي يؤدي عادة إلى تآكل قدرة المؤسسات المحلية على إعادة بناء نفسها، موضحاً أن نجاح المرحلة الانتقالية يعتمد على قدرة القوة الدولية على العمل داخل بنية إدارية فلسطينية قيد الترميم، مع ضرورة أن تتوفر مساحة للمؤسسات المحلية كي تتعلم وتعيد هيكلة نفسها أثناء العمل وليس بعده.
وختم ميرسر بأن نجاح أي صيغة في غزة لن يعتمد على حجم القوة الدولية أو عدد الدول المشاركة، إنما على ثلاثة عناصر، والتي تتمثل بوضوح التفويض، وتعاون المؤسسات المحلية، وقدرة المجتمع الدولي على توفير موارد كافية ومنتظمة.
وقال إن توفير هذه العناصر يمكن أن يجعل المهمة "عملية انتقال منظمة"، بينما غيابها قد يحوّلها إلى "وجود مؤقت بلا أثر حقيقي".
بدوره قال الباحث في الحوكمة العامة وإدارة ما بعد الصراعات، الخبير الفلسطيني ماهر الدويك، إن النقاش الدائر حول القوة متعددة الجنسيات لا يمكن اختزاله في ثنائية قبول أو رفض، لأن جوهر المسألة يتعلق بقدرة أي صيغة دولية على العمل جنباً إلى جنب مع البنى المدنية الفلسطينية.
وأوضح الدويك، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن الفارق بين المقترحَين العربي–الإسلامي والأمريكي يتعلق مباشرة بالتصور الذي يحكم العلاقة بين القوة الدولية والمؤسسات الفلسطينية.
وأضاف أن المقترح العربي–الإسلامي يمنح مساحة أوسع لجهات محلية يمكن مساءلتها وتوجيهها من قبل السكان، وهو ما يُعد شرطاً ضرورياً لأيّ إدارة قادرة على الصمود.
وأشار الدويك إلى أن المخاوف الفلسطينية ليست نابعة من حساسية سياسية فقط، بل من تجارب سابقة أظهرت أن الإدارة الدولية عندما تحلّ مكان المؤسسات المحلية تصبح إدارتها عرضة للتأجيل والتراكم وغياب الأولويات، لأن الجهة الدولية مهما امتلكت من خبرة لا تستطيع التعامل مع التفاصيل اليومية مثل جهة تعرف البيئة الاجتماعية والاقتصادية من الداخل.
وقال إن الخشية الأساسية تتمثل في أن التفويض الواسع قد يؤدي إلى ازدواجية في القرار، بحيث تصبح القوة الدولية مسؤولة عن قطاع الخدمات بينما تبقى المؤسسات الفلسطينية بلا أدوات عملية، وهو ما يخلق فراغاً لا يقل خطورة عن الفراغ الأمني نفسه.
وأضاف الدويك أن أي قوة دولية، مهما كانت متقدمة تنظيمياً، لن تكون قادرة على القيام بأدوار الإدارة المدنية المعقدة إلا لفترة محدودة؛ لأن الملفات المرتبطة بالمياه، والكهرباء، والطرقات، والمستشفيات، والمدارس، والعلاقة المباشرة مع السكان، تحتاج إلى جهات تمتلك الشرعية الوثيقة بالمجتمع، وهي شرعية لا تُمنح من مجلس الأمن، إذ تُكتسب من العلاقة اليومية بين الناس والمؤسسات.
ولفت إلى أن التجارب السابقة في ما بعد الصراعات تؤكد أن المؤسسات المحلية يجب أن تكون جزءاً من التخطيط والتنفيذ منذ اليوم الأول، وليس بعد انتهاء عمل القوة الدولية؛ لأن أي فصل بين المرحلتين سيجعل المؤسسات المحلية في موقع المتلقّي وليس الشريك، وهو أمر يضعف قدرتها على تحمل المسؤولية لاحقاً.
وقال الدويك إن المقترح العربي–الإسلامي يوفّر وفق تقديره هيكلاً أكثر قابلية للتطبيق لأنه يُبقي على الدور الدولي ضمن حدود الحماية والتنظيم دون أن يحوّله إلى جهة تنفيذية.
وختم بأن نجاح أي ترتيبات مقبلة لا يعتمد على التفويض الدولي وحده، وإنما على قدرة الفلسطينيين على استعادة دورهم الطبيعي في إدارة حياتهم اليومية، وعلى صياغة علاقة متوازنة بين القوة الدولية والجهات المحلية، بحيث تُحفظ كرامة السكان ويُعاد بناء المؤسسات من داخل السياق الفلسطيني.