رغم انطلاق حملات الدعاية الانتخابية في العراق، فإن شبح التأجيل لا يزال يخيم على الأجواء السياسية، وسط تساؤلات عن احتمالات ترحيل موعد الاقتراع المقرر في الـ11 من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وما إذا كان هذا السيناريو سيعيد خلط الأوراق داخل البيت السياسي العراقي.
وتأتي هذه التكهنات في ظل بقاء التيار الصدري على موقفه الثابت من مقاطعة الانتخابات، مقابل تصاعد المنافسة بين الكتل التقليدية والقوى الجديدة التي تحاول استثمار الفراغ الانتخابي في بعض الدوائر.
وتشير مصادر سياسية إلى أن المفوضية العليا للانتخابات أنجزت معظم التحضيرات اللوجستية، فيما تكثف القوائم الكبرى نشاطها الدعائي؛ ما يعزز فرضية التمسك بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر، رغم الجدل الدائر حول احتمالات التأجيل.
ويقول الباحث والأكاديمي حسام ممدوح، إن "المشهد الأرجح هو إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وهو ما تعززه جملة من العوامل الداخلية والخارجية".
وأوضح أن "القوى السياسية العراقية الكبيرة تسعى إلى تثبيت الاستحقاق في وقته حفاظاً على مكتسباتها خلال الدورة النيابية السابقة، سواء داخل السلطة التنفيذية أو التشريعية"، مشيرًا إلى أنّ "هذه القوى تخشى من أي فراغ سياسي قد يفتح الباب أمام توترات داخلية أو إقليمية".
وأضاف ممدوح في حديثه لـ"إرم نيوز" أنّ "الإبقاء على الموعد المحدد للانتخابات يجنب العراق الدخول في موجة جديدة من الاضطراب، خصوصًا مع تزايد التوتر في المنطقة واحتمال اندلاع مواجهات عسكرية تمس إيران أو جيرانها"، لافتًا إلى أنّ "هناك رغبة إقليمية ودولية بالإبقاء على الواقع السياسي العراقي دون تغييرات دراماتيكية قد تربك المشهد أو تنقل الارتباك إلى محيطه".
في السياق ذاته، نفى وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في تصريح صحفي وجود أي مؤشرات داخلية على تأجيل الانتخابات.
وقال حسين إن "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تواصل عملها بانتظام، والحملة الإعلامية للمرشحين انطلقت بالفعل"، مشددًا على أنّ "الاستحقاق الانتخابي يمثل محطة دستورية أساسية لا يمكن تجاوزها".
وتُظهر المواقف الرسمية والحزبية أن الحكومة العراقية مهتمة بتمرير الانتخابات في موعدها، تجنبًا لأي فراغ دستوري أو أزمة شرعية، ولا سيما في ظل حساسية الظرف الإقليمي وتعدد ملفات الضغط الداخلي، من قانون "الحشد الشعبي" إلى العلاقات مع واشنطن وطهران، مرورًا بملف الموازنة الثلاثية.

من جانبه، حذّر القيادي في ائتلاف دولة القانون حيدر اللامي من تداعيات أي تأجيل محتمل، مؤكدًا أن "التيار الصدري سيكون المستفيد الأكبر في حال تأخر إجراء الانتخابات".
وقال اللامي في تصريح صحفي، إن "التأجيل سيدخل البلاد في متاهات دستورية معقدة، ولا يمكن التكهن بالجهة التي ستتولى تحديد الموعد الجديد للاقتراع، كما أنّ العراق سيُجرّ إلى إشكاليات بعيدة عن الوضع الحالي".
بدوره، أوضح المحلل السياسي عبدالله الركابي، أن "تأجيل الانتخابات بات صعبًا في ظل اكتمال التحضيرات الفنية للمفوضية، واستعدادات الأجهزة الأمنية لتأمين العملية الانتخابية".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أنّ "الكتل السياسية التقليدية ترى في إجراء الانتخابات فرصة لتجديد شرعيتها وإعادة تثبيت مواقعها داخل الدولة، في حين أن قوى الاحتجاج والكتل المدنية الصغيرة تراقب التطورات بترقب وتحاول كسب جمهور التيار الصدري المقاطع لتعويض ضعفها الجماهيري".
وفي هذا الإطار، يرى محللون أن عودة الحديث عن استقطاب القواعد الصدرية تعبّر عن أزمة بنيوية تعيشها القوى السياسية في العراق، إذ تلجأ بعض الكتل إلى ما يشبه "الاستعارة الانتخابية" لأصوات جمهور الصدر.
بدوره، أوضح الكاتب السياسي ناجي الغزي أن "بعض القوى العراقية ما زالت تراهن على استثمار اسم التيار الصدري ومكانته الشعبية لتعويض ضعفها الجماهيري، رغم إعلان الصدر انسحابه من العمل السياسي".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "هذا السلوك يكشف عمق الأزمة التي تمر بها الأحزاب العراقية، إذ عجزت عن بناء قواعد اجتماعية مستقلة أو تطوير خطاب سياسي جديد، فظلت تدور في فلك الرموز الدينية والشعبوية بدلاً من طرح مشاريع واقعية لإقناع الناخبين؛ ما قد يدفعها لخيارات أخرى".