مع انطلاق الدعاية الانتخابية في العراق، تصاعدت ظاهرة بيع وشراء بطاقات الناخبين بشكل لافت، وسط تحذيرات من خطورتها على نزاهة الاقتراع المقرر في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، في حين أعلنت الأجهزة الأمنية عن حملات واسعة لضبط المتورطين في هذه العمليات التي وُصفت بأنها "سوق سوداء انتخابية".
وأعلن جهاز الأمن الوطني العراقي في بيان، اعتقال 46 متهماً ببيع وشراء بطاقات انتخابية، وضبط (1841) بطاقة في 4 محافظات هي بغداد والأنبار ونينوى وغرب نينوى، موضحًا أن المتهمين "أُحيلوا مع المضبوطات إلى الجهات القضائية المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم".
ويقول مراقبون إن هذه العمليات تؤشر إلى تصاعد التلاعب بالبطاقات الانتخابية مع دخول الحملة الدعائية مرحلتها الساخنة، إذ تسعى بعض القوى السياسية إلى شراء البطاقات بطرق غير قانونية للتأثير في إرادة الناخبين أو حرمان الخصوم من أصوات معينة في مناطق محددة.
وقال نائب رئيس مفوضية الانتخابات الأسبق سعد الراوي، إن "ظاهرة بيع وشراء بطاقات الناخبين ليست جديدة، لكنها تتوسع عادة مع اقتراب موسم الانتخابات"، مشيراً إلى أن "هناك مؤشرات ميدانية وتصريحات نيابية تؤكد حدوثها في بعض المحافظات".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "على السلطات المعنية متابعة هذه الحالات وتعقب المتورطين فيها بشكل جدي، ما يمثل خطوة مهمة في تعزيز نزاهة العملية الانتخابية وردع من يحاولون التأثير في إرادة الناخبين"، لافتاً إلى أن "التعامل الحازم مع مثل هذه الممارسات سيعيد الثقة إلى الجمهور ويمنع بعض القوى من تحويل الانتخابات إلى سوق للمساومات السياسية والمالية".
وبحسب نواب ومراصد مراقبة، فإن سعر بطاقة الناخب وصل في بعض المحافظات إلى نحو 300 ألف دينار (نحو 230 دولاراً)، في مؤشر على توسع الظاهرة وتحولها إلى تجارة مربحة، تدار عبر وسطاء محليين يسعون إلى جمع أكبر عدد من البطاقات قبل موعد التصويت.
ويؤكد مراقبون أن بعض الأحزاب والمرشحين يشترون بطاقات من جمهور منافس بهدف إخفائها ومنع أصحابها من المشاركة في الاقتراع، على أن تُعاد بعد يوم التصويت، الأمر الذي يؤدي إلى تقليص عدد الأصوات في مناطق معينة، ويُستخدم كتكتيك انتخابي لضمان فوز مرشحين محددين.
في المقابل، تتبع بعض القوى السياسية أسلوباً آخر يقوم على شراء بطاقات ناخبين والاحتفاظ بها حتى يوم التصويت، حيث تُعاد إلى جمهورها قرب مراكز الاقتراع مقابل ضمان التصويت لصالح مرشحيها، وهي ممارسات تعد مخالفة صريحة لقانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020 الذي يحظر استخدام البطاقة الانتخابية لغير صاحبها.
من جهته، قال رئيس الفريق الإعلامي في مفوضية الانتخابات عماد جميل، إن "القانون يفرض المساءلة على كل من يسعى إلى استثمار بطاقة ناخب لأغراض غير قانونية"، مبيناً أن "المسؤولية تقع أساساً على صاحب البطاقة إذا استخدمها بطرق غير مشروعة".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "المفوضية لا تتابع تحركات البطاقات نفسها بشكل أمني، بل يُعد ذلك جهداً تشاركياً مع الأجهزة الاستخبارية التي نجحت في ضبط العديد من الحالات"، مؤكداً أن "البطاقات مصممة لتعمل فقط عبر صاحبها الشخصي وتعطل بعد استخدامها يوم الاقتراع، بما يمنع التصويت المتكرر أو استغلالها من آخرين".
ويرى مختصون أن خطورة الظاهرة لا تكمن فقط في الجانب المالي، بل في قدرتها على تشويه الانتخابات بشكل عام عبر إضعاف المشاركة الشعبية وتوجيه إرادة الناخبين بالترغيب أو الترهيب، ما يؤدي إلى تراجع الثقة بالعملية برمتها وارتفاع معدلات العزوف الشعبي.
وتشير بيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى أن أكثر من 21 مليون ناخب حدّثوا بياناتهم البايومترية خلال الأشهر الماضية، فيما تعمل المفوضية على تسليم البطاقات المتبقية عبر فرق جوالة ومكاتب ميدانية في جميع المحافظات.
وتتضمن البطاقة البايومترية عناصر أمان مشددة، منها البصمة، والصورة الشخصية، والشيفرة الخاصة بالتصويت الإلكتروني، بحيث لا يمكن استخدامها إلا من قبل صاحبها المسجل في قاعدة البيانات.
وتعطل البطاقة تلقائياً بعد الإدلاء بالصوت في يوم الاقتراع، ما يمنع تكرار التصويت أو نقلها بين الأشخاص، وهو ما تعتبره المفوضية الضمانة التقنية الأهم لحماية العملية الانتخابية من التزوير أو التلاعب.