أكد رئيس مجلس إدارة "مؤسسة المستقبل" في واشنطن، انتفاض قنبر، أن المشهد في العراق يزداد تعقيداً بسبب هيمنة الميليشيات المسلحة وتباين المواقف السياسية، في وقت يشهد تصاعداً في الضغوط الأميركية والدولية لإعادة ترتيب أولويات الدولة العراقية.
وفي حوار مع "إرم نيوز"، حذر من أن تمرير قانون الحشد الشعبي سيقود إلى "كارثة على العراق"، متحدثاً عن احتمالات فرض عقوبات واسعة قد تطال النفط والمصارف العراقية.
وأشار قنبر إلى أن العراق يفتقر لعلاقة موحدة مع الولايات المتحدة، وأن الانقسامات الداخلية بين الكرد والسنة والشيعة تجعل أي قرار استراتيجي مرهوناً بتوازنات هشة.
وتالياً نص الحوار:
كيف تصفون علاقة العراق مع الولايات المتحدة اليوم؟
العلاقة معقدة للغاية، لأن العراق لا يُدار كدولة موحدة ولا يملك سيادة كاملة، فلكل مكوّن عراقي مساره الخاص في التعامل مع واشنطن؛ الأكراد يتمتعون بعلاقة تاريخية متينة تحسنت كثيراً في زمن الرئيس ترامب وهي مستقرة اليوم، فيما تأتي القوى السنية بالمرتبة الثانية من حيث الانفتاح على الولايات المتحدة، حيث يحرص معظمها على الحفاظ على علاقات سياسية وشخصية معها.
لكن التوتر الأكبر يبقى مع قوى "الإطار التنسيقي" والميليشيات المرتبطة بإيران، التي تمثل العداء الأبرز لواشنطن، فحتى داخل الحكومة الحالية بقيادة محمد شياع السوداني، العلاقة ليست مثالية، في حين يحظى وزير الخارجية فؤاد حسين باحترام كبير بفضل خلفيته الكردية وصلاته الواسعة، وهذه التناقضات تكشف غياب موقف عراقي موحّد تجاه الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، إذ تظل السياسة الخارجية مرهونة بظروف داخلية وإقليمية متغيرة.
ملف نزع السلاح من الميليشيات عاد إلى الواجهة، ما الموقف الأنسب للعراق؟
القضية ليست جديدة، ففي العام 2005 كانت القوى الشيعية نفسها تجلس مع الأمريكيين لصياغة الدستور، وأصرّت على إدراج المادة التاسعة التي تمنع تشكيل ميليشيات خارج إطار الدولة، لكن مع تغيّر الظروف وانسحاب القوات الأمريكية، انقلبت هذه القوى على ما كتبته بيدها.
اليوم تُسوّغ الميليشيات وجودها بالقول إن الكرد يملكون "البيشمركة"، وهذه حجة واهية؛ لأن الدستور منح الأقاليم حق امتلاك "حرس إقليم" ضمن النظام الفيدرالي، بينما "الحشد الشعبي" تشكيل مسلح خارج الجيش ولا يندرج تحت أي غطاء دستوري. وعليه، فإن نزع سلاح الميليشيات ليس خياراً ترفيهياً، بل ضرورة يفرضها المجتمع الدولي، فبقاء هذه الجماعات خارج سيطرة الدولة سيقود العراق إلى عقوبات وربما تدخلات عسكرية.
كيف تنظر الإدارة الأمريكية إلى ملف الحشد الشعبي كمؤسسة قانونية والميليشيات المسلحة التابعة لها؟
من الناحية العملية، واشنطن لا ترى فارقاً جوهرياً، فالحشد الشعبي بالاسم تابع لرئيس الوزراء، لكن قادته يعلنون بوضوح أنهم يتلقون التعليمات من المرشد الإيراني علي خامنئي.
لذلك تعتبر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن المشكلة واحدة؛ لا يمكن قبول أحزاب سياسية تمتلك ميليشيات تدخل الانتخابات وتفرض إرادتها بالسلاح، والمطلوب من العراق أن يضمن عدم تحوّله إلى "مرفأ للإرهاب الإيراني" أو منصة لتهديد دول المنطقة.
هل تعتقد أن القوى الشيعية قادرة على تمرير قانون الحشد الشعبي؟
"سيكون كارثياً"، إذ إن تمرير مثل هذا القانون سيجعل الولايات المتحدة تتحرك بخطوات قاسية، مثل تقييد وصول العراق إلى احتياطياته الدولارية في الفيدرالي الأمريكي، أو فرض عقوبات مباشرة على المصارف وشركات النفط.
وأي اعتقاد بوجود قنوات تواصل بين الفصائل وواشنطن "محض وهم"، بينما تقتصر العلاقات الأمريكية على بعض الشخصيات والأحزاب، خصوصاً الكرد وبعض قادة السنة، دون أن يغيّر ذلك من حقيقة الرفض الدولي لبقاء الفصائل المسلحة.
ملف تهريب النفط الإيراني عبر وثائق عراقية أثار ضجة، ما تأثيره على العراق؟
القضية لا تتعلق بالسمعة فقط، بل بتهديد مباشر لمؤسسة "سومو" والشركات المرتبطة بها، فقد جرى مؤخرًا معاقبة تجار ومسؤولين تورطوا في تهريب النفط؛ ما يشكل إنذاراً واضحاً بأن الدور سيطال "سومو" والمصارف العراقية التي تمر عبرها أموال التهريب. فالمسألة لا تقتصر على النفط، بل تشمل الأموال المتأتية منه، وهو ما يعرض العراق لخطر عقوبات مالية واسعة.
هل إجراءات البنك المركزي العراقي كافية للحد من تهريب الدولار؟
المشكلة أعمق بكثير، فمصرف الرافدين – أكبر مصرف حكومي – متورط في قروض غير مسنودة بمليارات الدولارات ذهبت لشركات وميليشيات دون رقابة.
كما جرى استخدام آلاف البطاقات المصرفية لتهريب الدولار إلى الخارج، وهذا يعني أن النظام المصرفي العراقي فقد مصداقيته، وإذا استمرت الفضائح، فالمصارف العراقية ستعامل دولياً كمصارف مشبوهة بالإرهاب.
السباق الانتخابي احتدم في العراق .. كيف تقرأ المنافسة السياسية؟
الانتخابات لم تعد عملية ديمقراطية حقيقية، بل أقرب إلى "اختيار مسبق" للوجوه نفسها بطرق مختلفة.
والقوى المهيمنة تستغل المال العام والمقاولات لتمويل حملاتها، فيما تلجأ فصائل أخرى إلى السلاح وشراء النواب، وبالتالي لن تغيّر الانتخابات شيئاً، بل ستزيد الأوضاع سوءاً؛ لأن العملية السياسية بُنيت على الفساد واستغلال موارد الدولة.
ما طبيعة التدخل الإيراني في الاقتصاد العراقي وكيف يؤثر ذلك سلباً على المواطنين؟
إيران لا تسيطر فقط، بل تتصرف وكأنها تملك الاقتصاد العراقي، حيث تستخدم النفط العراقي لتمرير نفطها المهرب، وتستفيد من عائدات الدولار التي يدرّها، ويتوقع أن تستمر واشنطن في تضييق الخناق عبر العقوبات المالية والنفطية، ما سيضع الاقتصاد العراقي في مواجهة مباشرة مع استحقاقات قاسية إذا لم تُكبح هذه الهيمنة.