تكثّف قوى سياسية وفعاليات مجتمعية في العراق ضغوطها على الميليشيات المسلحة، للاستجابة لمساعي الحكومة الرامية إلى نزع سلاحها ودمجها ضمن المؤسسة الأمنية.
وأعادت قوى سياسية عراقية فتح ملف رئاسة الحشد الشعبي، مشككة في قانونية استمرار فالح الفياض في منصبه رغم بلوغه السن القانوني للتقاعد، ورغم أن هذا الملف يُنظر إليه كجزء من الصراعات السياسية، فإنه بات ورقة ضغط تستخدمها بعض الكتل والأحزاب لتعزيز الضغوط على الميليشيات المسلحة.
وتزايدت خلال الأيام الماضية الأنباء المتداولة في العراق حول نية الإطار التنسيقي استبدال فالح الفياض من رئاسة هيئة الحشد الشعبي، في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة عليه بسبب اتهامات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
ويأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه المطالبات بحسم ملف الميليشيات الموالية لطهران، خاصة بعد الضربات التي تلقاها النفوذ الإيراني وحلفاؤه في المنطقة، وما رافق ذلك من متغيرات سياسية أبرزها عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
بدوره، قال عضو في الإطار التنسيقي إن "قوى الإطار تسعى إلى تقديم كبش فداء لامتصاص الضغوط المتزايدة على مسألة حل الفصائل، في خطوة تهدف إلى إعطاء انطباع بالإصلاح دون المساس بالبنية الأساسية للحشد الشعبي".
وأوضح عضو الإطار -الذي طلب حجب اسمه- لـ"إرم نيوز" أن "طهران لا تمانع إقالة الفياض إذا كان ذلك سيؤدي إلى تخفيف الضغوط على الفصائل المقربة منها، لكنها في الوقت ذاته لا ترغب في أي تغييرات جوهرية قد تؤثر في توازن القوى داخل الحشد أو تُضعف نفوذها في العراق".
وأشار إلى أن "هذه الاستراتيجية ليست جديدة، إذ سبق أن تم تغيير شخصيات قيادية في مؤسسات أمنية وعسكرية دون أن يرافق ذلك أي تحول حقيقي في سياسات تلك المؤسسات، وهو ما يجعل هذه الخطوة أقرب إلى تعديل شكلي أكثر منها تغييرًا جوهريًا".
وتفجرت في الأيام الماضية فضائح مالية مرتبطة بنفوذ الميليشيات المسلحة في العراق، كان أبرزها الكشف عن عمليات فساد كبرى في محافظة الديوانية، حيث تم التلاعب بعقود حكومية من خلال شركات وهمية يعتقد تابعة لفصائل نافذة، وفق مسؤولين محليين.
وأثارت هذه التطورات موجة غضب واسعة، استثمرتها قوى سياسية مدنية وأحزاب مناوئة لنفوذ الميليشيات، مجددةً دعواتها لإنهاء وجودها في المشهد السياسي والاقتصادي، خاصة أن هذه الفضائح تؤكد تحول بعض المجموعات من العمل العسكري إلى ما يشبه "مافيات اقتصادية".
من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي، عماد الزيادي، أن "ما يجري ليس مجرد ضغوط لإقالة الفياض أو تفكيك نفوذ الميليشيات المسلحة، بل جزء من تحوّل أوسع داخل المنظومة السياسية العراقية، فقد بدأت بعض القوى تفكر بجدية في إعادة تشكيل موازين القوى، مستغلة الأوضاع الدولية والتغييرات الإقليمية".
وأشار في حديثه لـ"إرم نيوز" إلى أن "المسألة لا تتعلق فقط بالفساد المالي أو التجاوزات الأمنية، بل هناك قلق متزايد داخل الأوساط السياسية من أن بعض الميليشيات المسلحة باتت تشكل كيانًا اقتصاديًا موازيًا للدولة، يمتلك شركات وأصولًا وشبكات تمويل مستقلة، وهو ما يجعل أي محاولة لاحتوائها أمرًا أكثر تعقيدًا من مجرد قرارات سياسية".
وبحسب مسؤولين حكوميين وأعضاء في مجلس النواب، فإن المفاوضات لا تزال مستمرة بشأن إنهاء نفوذ الميليشيات المسلحة، وسط تباين في المواقف بين الأطراف المعنية.
ويشير مسؤولون إلى أن الفصائل المسلحة تدرك حجم الضغوط المفروضة عليها، لكنها لا تتعامل مع المفاوضات كمسألة استسلام أو تفكيك، بل كفرصة لإعادة ترتيب أوراقها، إذ تطرح شروطًا تتعلق بمستقبل قياداتها، وضمان استمرار نفوذها الاقتصادي، بل وحتى ضمانات سياسية بعدم ملاحقتها مستقبلاً.
ويرافق هذه المفاوضات تصاعد حملات الضغط الشعبي، التي تتخذ من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ساحة رئيسية للتأثير في الرأي العام ودفع الميليشيات إلى القبول بالمسار الحكومي.
كما تسعى بعض القوى السياسية والمدنية إلى استثمار هذه الموجة من الغضب الشعبي لتعزيز موقف الحكومة، من خلال تكثيف الخطاب الداعي إلى إنهاء أي وجود عسكري خارج إطار الدولة، محذّرة من أن استمرار هذه الجماعات يشكل عائقًا أمام الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
بدوره، أكد الخبير في الشأن العراقي، غازي فيصل، أن "المجتمع العراقي بات يرفض بشكل متزايد وجود جماعات مسلحة تعمل خارج إطار الدولة، بعدما أصبحت مصدر قلق أمني وسياسي".
وأوضح فيصل لـ"إرم نيوز" أن "الفعاليات الاجتماعية، ومن بينها النخب الأكاديمية والطلابية في الجامعات، تعبر عن استياء متزايد من استمرار هذه الفصائل، إذ ترى أنها تعرقل استقرار البلاد وتعوق أي عملية إصلاح حقيقي".
وأشار إلى أن "هذا الرفض الشعبي يتجلى في المطالبات المستمرة بإنهاء وجودها وإخضاع السلاح لسلطة الدولة، باعتبار ذلك خطوة أساسية لاستعادة هيبة المؤسسات وإنهاء حالة الفوضى الأمنية".